راجح الخوري

لا يحتاج المرء إلى عناء كبير لكي يكتشف أن الوقوف المدوّي للرئيس محمود أحمدي نجاد في جنوب لبنان هو في شكل أو آخر مجرد ثمرة لتاريخ من الزرع السياسي السيئ والأحمق، الذي دأبت عليه السياسة الخارجية الاميركية في هذه المنطقة، سواء حيال قضية فلسطين او بازاء سياسات العدوان والتوسع التي ينفذها العدو الاسرائيلي مدججاً بالسلاح الاميركي ومستنداً الى الرعاية الأميركية.
منذ دخولها الى المنطقة كقوة كبرى ورثت البريطانيين والفرنسيين في بداية الخمسينيات الى الآن، كان في وسع أميركا التي تقرع طبول الديموقراطية والحرية والعدالة، أن تفرض حلاً عادلاً يتماشى مع قرارات الشرعية الدولية، ويؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية وانسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة، بما يؤدي الى تسوية سلمية تقفل ابواب المنطقة أمام سياسات تعتمد القوة وشعارات الصمود والتصدي في مواجهة الاحتلال والعدوان، وربما لم تكن هذه السياسات لتنشأ أصلاً أو تجد من يتبناها ويعتمدها قاعدة لرفع الغبن وإنهاء الاحتلال واستعادة الكرامة الوطنية.

❑ ❑ ❑

ولكن أميركا رعت الاحتلال ودعمت العدوان وتعامت عن النازيين الصهاينة في المنطقة، الى درجة أوصلتها الآن الى التخبط في وحول الفشل المدوي. ففي حين يقف الرئيس الايراني في الجنوب واضعاً أصبعه في عين اسرائيل وعين أميركا أيضاً، تشاء المصادفات الساخرة جداً أن يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما موضوع شريط من الاهانات الموصوفة عند الاسرائيليين الذين طالما احتضنتهم واشنطن.
فمن جهة يواصل بنيامين نتنياهو توجيه الصفعات السياسية اليه في مسألة المفاوضات والاستيطان، ومن جهة ثانية يرشق المستوطنون صوره بالبيض الفاسد والاحذية لمجرد انه يطالب بوقف الاستيطان.
الصورة ساخرة جداً. ففي حين تسقط طهران مفاعيل نتائج الانتخابات العراقية وتفرض نوري المالكي مرشحاً لرئاسة الحكومة فتقبله اميركا ولو على مضض لأنها تبحث عن خروج آمن من العراق، ينزل الرئيس الايراني ضيفاً على لبنان، ويقف في بنت جبيل بمحاذاة شاطئ المتوسط ويقول وان لم يقل:
لقد وعدنا بإلحاق الهزيمة بأميركا في لبنان، وها نحن نعلن هزيمتها علناً.
هذا الاعلان يأتي، سواء من الجنوب الذي هزم اسرائيل، أو من بيروت التي تشهد مسلسل التآكل في مفاعيل الانتخابات الأخيرة، وذلك في اطار quot;حركة تصحيحيةquot; يراد لها أن تعيد موازين الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2005، وان تجرف في طريقها القرار الاتهامي والمحكمة الدولية... وقد سبق لطهران أن أعلنت مراراً، أن المحكمة أداة أميركية ndash; اسرائيلية للنيل من quot;حزب اللهquot;!
أمام رمزية هذا المشهد السياسي الصاخب، الذي يمثل عملياً إعادة رسم للخريطة السياسية، تبدو العقوبات على ايران مسخرة المساخر، وخصوصاً إذا تذكرنا ان بين الجنوب الذي يزدان الآن بالأعلام الايرانية وبين قطاع غزة الذي يملك التودد لهذه الاعلام، يمتد جسر من التعاون والتنسيق على إيقاع ما يسمّى جبهة المقاومة، التي تصل الى ايران عبر سوريا، ويراد لها الآن ان تضم لبنان وكذلك العراق.

❑ ❑ ❑

هذا الأمر ليس من صنع المخيلة، ففي العدد الأخيرة من مجلة quot;نيوزويكquot; تحليل مرفق بخرائط، يدرج لبنان داخل منطقة النفوذ الاقليمي الايراني، وهو يلتقي في شكل ما مع دراسة quot;فورين بوليسيquot; التي اشرنا اليها أمس في هذه الزاوية ومفادها ان اميركا قد اضاعت لبنان!
لا تقف حماقة السياسة الاميركية عند حدود خسارة العرب والمسلمين والاعتدال عند هؤلاء في مقابل كسب دولة الاغتصاب والعنصرية الصهيونية في اسرائيل، بل تصل مثلاً في حساباتها الآن الى الافتراض، ان سوريا التي تتمسك بمبادئ الحق والعدل في موضوع التسوية، يمكن عبر عودة الانفتاح عليها الآن ان تلعب درو quot;العائق السياسي ndash; الطبيعيquot; في مواجهة فائض النفوذ الايراني، الذي صار يتحدث وبلسان نجاد من موقعين على شاطئ المتوسط، لبنان وغزة، في وقت تغرق صورة أوباما بالأحذية الاسرائيلية... ولكن هل اميركا تافهة فعلاً الى هذا الحد؟!
يصعب أن نصدق!