خليل الزنجي

لانه ملمٌ بتجربة البحرين سياسيا واجتماعيا، يشهد له بذلك كتابه الذي صدر في سبعينيات القرن الماضي تحت عنوان(البحرين ومشكلات التغيير الاجتماعي والسياسي) ،ولانه من بلد يعتبر الاعرق ديمقراطية في منطقة الخليج ممارسة وتنظيراً، ولانه ndash;وهو الاهم- ليس بحرينيا حتى يتم فرزه بأنه من كتاب السلطة وصاحب قلم مأجور وهي التهمة الجاهزة التي يوفرها مجتمعٌ مبتلىraquo;بنظرية المؤامرة والاستئصالraquo; لكل من يكتب عكس ما تشتهي الاهواء السياسية السائدة، فان قراءته للمشروع الاصلاحي لجلالة الملك يحمل الكثير من الدلالات الاستشرافية لمستقبل هذا الوطن ان تمسك بالامل وتخلى عن الالم.
فقد كتب محمد الرميحي في صحيفة الشرق الاوسط الجريدة الاوسع انتشارا عربياً وتحت عنوان(48 ساعة في المنامة) مقالا ضمّن فيه قراءته لما يجري على الساحة البحرينية ورؤيته للمشروع الاصلاحي لجلالة الملك حيث قال(( ان مشروع الملك حمد الاصلاحي يحقق المزيد من التقدم في اجواء خليجية مكفهرة لاتخفى على حصيف)) ،ويقول في مكان اخر((ان حزمة الاصلاحات في مشروع الملك حمد قد نقل البحرين في بداية الالفية الثالثة-على الرغم من كل الظروف الضاغطة-الى مكان تجري فيه الان تجربة ديمقراطية،لاتخلو من المنغصات ولكنها لاتتخلى عن الامل على الرغم من الغليان الملموس في المنطقة)).
لقد قرأ الرميحي الواقع السياسي البحريني المعاصر قراءة تفكيكية وليس قراءة استباقية لمجريات الاحداث وصيرورتها، فهو في كتابه السالف الذكر نبه على ضرورة معالجة القضايا السياسية والاجتماعية في المجتمع البحريني حتى لاتتراكم ويستعصي حلها، لكنه في مقاله الاخير رأى ان المشروع الاصلاحي لجلالة الملك قد احدث قطيعة تاريخية وسياسية لتلك الحقبة التي عاشها البحرينيون في عهد الاستعمار البريطاني وما تلاه من تحديات فرضها واقع الاستقلال ومن بعده معظلات بناء الدولة الحديثة وما تفرزه من عوامل الشد والجذب داخل المجتمع كافراز طبيعي لمجتمع يضج بالحركة كالمجتمع البحريني والتي بلغت اوجها في احداث التسعينات.
لم يستغرق الرميحي طويلا في المنحنيات التاريخية المتراكمة للتجربة السياسية البحرينية ومنعطفاتها سلبا وايجابا وربطها كحلقات متسلسلة لان ذلك يكمن فيه خطورة ما يسمى بالقراءة الاستباقية للاحداث فمثل هذه القراءات تكون وبالاعلى الصعيد الفكري والسياسي لاصحابها لانها تشكل وعيا مزيفاً (بالنسبة للسياسة هناك فرق بين التحليل السياسي وبين التنظير الذي يدخل في اطار القراءات الاستباقية في اغلب الاحيان)
لقد دخل هذا الكاتب الكويتي سريعا الى اجواء العصر الاصلاحي الذي نعيشه، فيما بقي مع الاسف بحرينيون يعيشون وكأن الزمن لم يتحرك بعد حتى ان البعض لايزال رغم كل ما حدث يجاهر انه لايوجد شيء اسمه مشروع اصلاحي في البحرين!!
ان المشروع الاصلاحي لجلالة الملك وحسب قراءة الرميحي له هو مشروع متقدم جدا في المنطقة لانه جاء في ظروف اقليمية ودولية ضاغطة بسبب الاوضاع التي مر بها العالم منذ احداث سبتمبر وليس انتهاء بغزو العراق.. في تلك الظروف والاجواء المكفهرة في الخليج ndash;حسب تعبيره- ولدت الديمقراطية في البحرين وهي محفوفة بهذا الغليان السياسي الذي لم يسبق له مثيل،غير ان الارادة الملكية ndash;رغم كل ذلك- لم تتراجع عن مشروعها.
ان القراءة الهادئة والمتأنية للحالة البحرينية هو ما نحتاجه اليوم كبحرينيين اكثر من اي وقت مضى، فالظروف الاقليمية اصبحت اكثر تعقيداً وهو ما يلقي بظلاله على اي بلد في المنطقة خصوصا اذا كان بلدا يشهد حراك سياسي واجتماعي كالبحرين،اما القراءات المتشنجة والاستباقية التي تكرس حالات القطيعة بين مكونات الشعب البحريني ونظامه السياسي فانها بلا شك ستساهم في عدم فهم للمسيرة الاصلاحية والتشكيك بها مما يجر البلاد الى اوضاع مضطربة ومتأزمة تعيد لاسمح الله الظرف الامني الى مربعه الاول.
لقد انطلق الرميحي في مقاله من رؤية سياسية متوزانة لقراءة الحدث يسكنه في ذلك حب البحرين واهلها مثلما فعل الكثير من الكتاب الخليجيين والعرب حيث كانت قلوبهم على البحرين اكثر من قلوب البعض ممن رفع لواء الوطنية عاليا من اجل اسقاطها عبر مقالات محبطة تعبر عن تمنيات سوداوية اكثر مما تقرأ بعمق الواقع السياسي فمسيرة الاصلاح وديمومته مرهونة بالتفاف الجميع بصدق حول هذا المشروع ومعالجة اي سلبية بروح بعيدة عن الطأفنة والمصالح الحزبية الضيقة ليتلاقي الكل في حب الوطن ودعما للحركة الاصلاحية المستمرة.