فاروق جويدة
بقيت شهور قليلة ويطوي السودان الشقيق محنة من أهم وأخطر صفحات تاريخه الحديثrlm;..rlm; السودان الآن يقف أمام واحدة من أكبر أزماته حين يقرر سكان الجنوب يومrlm;9rlm; يناير القادم أي بعد أقل من مائة يوم إعلان دولة الجنوب والانفصال عن الوطن الأمrlm;.
أخيرا سوف ينقطع من السودان جزء عزيز من أراضيه وشعبه وتاريخه ليواجه مستقبلا غامضا لا أحد يعرف ما تحمله له الأيام ولا أحد يتصور أن يكون هذا هو مصير أكبر دولة أفريقيةrlm;..rlm;
كل الدلائل والمؤشرات التي تخرج الآن من جنوب السودان تؤكد أن سكان الجنوب اختاروا الانفصال وإعلان استقلالهم وان استفتاء يناير القادم ليس أكثر من مظاهرة شكلية للاحتفال بإعلان قيام دولة الجنوبrlm;..rlm; كل المؤشرات تقول إن السودان يمضي نحو التقسيمrlm;..rlm; والشواهد كثيرةrlm;:rlm;
لم يتردد نائب الرئيس السوداني سلفاكير في أن يعلن في واشنطن أخيرا أنه لن يعطي صوته في الاستفتاء للوحدة وأنه سوف يصوت للانفصالrlm;..rlm; وقد عبر الرئيس السوداني عمر البشير عن غضبه لهذه التصريحات ولكنها الحقيقةrlm;..rlm;
rlm;lt;rlm; منذ شهور والجنوب يشهد كل يوم مظاهرات صاخبة تدعو للاستقلال والانفصال عن الشمال وبدأت سحب الجفاء تغطي سماء السودان بين أبناء الشعب الواحد الذي يمضي نحو هذه النهاية المؤسفةrlm;..rlm; ولكن الشيء المؤكد انه يجري الآن في جوبا عاصمة الجنوب الجديدة تشكيل حكومة الاستقلالrlm;..rlm;
rlm;lt;rlm; كل المؤشرات تقول أن الجنوب يسير في اتجاه الانفصالrlm;..rlm; تم إعلان النشيد الوطني للدولة الجديدة باللغة الإنجليزية ضمن مسابقة لاختيار الكلماتrlm;..rlm; وبدأ النشيد الجديد يطوف أرجاء جنوب السودانrlm;..rlm; ومع النشيد صفقات لشراء الأسلحة منها عشر طائرات هليكوبتر وطائرات حربية واستعدادات ضخمة لتكوين الجيش الجديد بدعم أمريكي إسرائيلي أوربيrlm;..rlm; ويقال في سراديب السياسة إن أمريكا قدمت دعما عسكريا ومعدات حربية حديثة لجنوب السودان طوال السنوات الماضية ومنذ توقيع اتفاق السلامrlm;..rlm; بل أنها أنشأت وأشرفت علي إنشاء جهاز الشرطة في جنوب السودان وقدمت معونات لهذا الغرض تزيد عليrlm;30rlm; مليون دولار خلال عامين فقطrlm;..rlm;
والأخطر من ذلك أن عشرات المدرعات والعربات المصفحة أخذت مواقعها الآن علي الحدود بين الشمال والجنوب وأن جيش الجنوب لا يستبعد مواجهة عسكريةrlm;..rlm;
rlm;lt;rlm; لم يتردد الرئيس أوباما في أن يعلن صراحة ضرورة أن يتم الاستفتاء في موعده وهو بكل تأكيد يعرف نتائجه مسبقـاrlm;..rlm; ولم تتردد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن تقول أن انفصال جنوب السودان أصبح أمرا حتمياrlm;..rlm;
تجري الآن مفاوضات بين كينيا وجنوب السودان لإنشاء ميناء ضخم في كينيا للدولة الجديدة ويقال أن تمويل الميناء الجديد سيأتي من دول الخليج العربيrlm;..rlm; وتزيد تكلفته عليrlm;3.5rlm; مليار دولارrlm;..rlm;
rlm;lt;rlm; آخر تصريحات المسئولين في جنوب السودان حول الدولة الجديدة أنها ستكون دولة ديمقراطيةrlm;..rlm; علمانية تحترم كل الأديان وأنها ستقيم علاقات دبلوماسية مع كل دول العالم بما في ذلك إسرائيلrlm;..rlm;
هذه المؤشرات جميعها تؤكد أن جنوب السودان بدأ رحلته مع الانفصال وأن أي تطورات أخري تسير عكس هذا الاتجاه ستعيد حالة الحرب مرة أخري بين الشمال والجنوبrlm;..rlm;
أن الحديث الآن يدور حول ثلاث قضايا هامة وخطيرة لم يتم التوصل إلي حلول لها حتي الآنrlm;..rlm;
هناك خلافات حول الحدود خاصة مناطق البترول وتوزيع الثروة بين الدولتين في الشمال والجنوبrlm;..rlm; أن الحكومة السودانية تصر علي الوصول إلي حل في هذه القضية قبل الاستفتاء ولاشك أنها علي حق في مشروعية هذا الطلب فسوف يكون من الصعب بعد الاستقلال الحديث عن حدود أو توزيع ثروة لأن من أخذ شيئـا سوف يحتفظ بهrlm;..rlm;
من جوانب الخلاف أيضا قضية الديون وهنا تطالب الحكومة السودانية بتوزيع عادل لأعباء الديون علي الدولة السودانية بحيث تتحمل دولة جنوب السودان نصيبها في هذه الديونrlm;..rlm;
القضية الثالثة التي يدور حولها خلاف واسع هي توزيع حصص مياه النيل بين الشمال والجنوبrlm;..rlm;
هناك تحذيرات بأن هذه القضايا إذا لم تحسم فقد تعود بالقضية كلها إلي ساحة القتال مرة أخري خاصة أن جيش تحرير السودان في الجنوب بدأ يمارس أعمال تهديد واضحة علي الحدود واستولي علي مساحات من الأراضي علي الحدود مع الشمالrlm;..rlm;
لا أعتقد أن ما بقي من الوقت يمكن أن يحمل إصلاحات أو تراجعات أو فرصا جديدة للوطن السوداني الموحدrlm;..rlm; إن دلائل الانفصال أصبحت واضحة تماما خاصة أن أمريكا ودول أوربا ودول الجوار في الجنوب تسعي إلي إقامة دولة مستقلة في جنوب السودانrlm;..rlm;
من الصعب بل من المستحيل أن تستطيع حكومة السودان تقديم أي شيء الآن لتشجيع سكان الجنوب علي خيار الوحدة وبقاء السودان موحداrlm;..rlm;
من الصعب علي حكومة السودان أن تغير القوانين التي طالب أهل الجنوب بتعديلها خاصة ما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية والتوجه الإسلامي الواضح للحكومة السودانية وموقف الجنوب المسيحي من ذلك كلهrlm;..rlm;
هناك جانب ديني لا يمكن إغفاله في قضية جنوب السودان وهذا الجانب يجد تأييدا واضحا من الدول الأوربية ومن أمريكا بصفة خاصةrlm;..rlm; إن البعد الديني هو الذي دفع هذه الدول إلي تقديم معونات رهيبة في السنوات الماضية لجنوب السودان وهو الذي جعل هذه الدول تؤيد خطوات الانفصالrlm;..rlm;
أن الشيء المؤسف الآن أن دولة جنوب السودان الوليدة لن تتجه شمالا ولن تنظر إلي امتدادها التاريخي والوطني القديم سوف تكون أقرب إلي عمقها الأفريقي مع إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وإفريقيا الوسطي وهي دول الجوار والذي يؤكد ذلك أنها تسعي منذ فترة بعيدة عودة مليون ونصف مليون من مواطنيها يعيشون في الشمال ومنهم من يعيش في مصرrlm;..rlm;
هناك محاولات لبدء صفحة جديدة مع دولة جنوب السودان وتحاول مصر أن تمد جسورها مع هذا الكيان الجديد فقد تم افتتاح خط طيران بين القاهرة وجوبا وتم استقبال أعداد كبيرة من أبناء الجنوب للدراسة في جامعات مصر وتم أيضا إنشاء بعض المشروعات المشتركة التي تساهم فيها الحكومة مع القطاع الخاصrlm;..rlm; وبجانب هذا سافرت قوافل طبية إلي جنوب السودانrlm;..rlm;
علي الجانب الآخر فإن الحكومة السودانية خصصت مليار دولار لإقامة مشروعات جديدة في جنوب السودان وشهدت تحركات واسعة بين أبناء النخبة السودانية في الشمال والجنوب لتأكيد مبدأ وحدة السودان لقد طافت قوافل فكرية وحزبية جنوب السودان وشماله تدعو إلي استمرار مسيرة الوطن الواحد حتي ولو حصل الجنوب علي بعض مظاهر الاستقلالrlm;,rlm; المهم أن يبقي السودان موحداrlm;..rlm; الكل الآن يلهث ربما أوقف الطوفان قبل أن يجيء أن مصر تحاول والسودان يجري ولكن للأسف الشديد لقد تأخر الجميعrlm;..rlm; إن ما يحدث في الساعات الأخيرة لا يكفي لتعويض سنوات طويلة من الإهمال والتراخي في حل المشاكل والأزماتrlm;..rlm; لقد أهملت الحكومة السودانية قضية الجنوب وأهملت مصر الشمال والجنوب معا وعلي الجميع أن يدفع الآن الثمنrlm;..rlm;
لا أحد يستطيع أن يقرأ صورة المستقبل بعد مائة يوم من الآنrlm;..rlm; هل ينفصل الجنوب في سلام أم أن المحنة ستكون أكبر من أن يتحملها أحدrlm;..rlm; لاشك أن ضياع الجنوب خسارة كبيرة قد لا ندرك الآن مداها ولكن في ظل قراءة واعية وعميقةrlm;..rlm; يمكن أن نقول أن هناك حسابات كثيرة سوف تتغير في ظل هذا الواقع الجديدrlm;..rlm; تبدأ بإستقرار السودان في دولة الشمال وتنتهي عند أزمة مياه النيل وسوف يكون الجنوب طرفـا فيهاrlm;..rlm;
وبعد ذلك كله أن انفصال الجنوب قد يكون بروفة لانفصال مناطق أخري في العالم العربي ولهذا أصبح من الضروري قراءة ما يجري حولنا قراءة سليمة حتي لا تتكرر الأخطاء وحتي نتعلم الحكمة من رأس الذئب الطائرrlm;..rlm;
التعليقات