عبدالرحمن سعد العرابي

* عجيب غريب بحق أمر لبنان هذا، فرغم صغر حجمه الجغرافي حيث لا تزيد مساحته على (10452) كم2 فقط، وعدد سكانه لا يزيدون في أكثر الأحوال على ثلاثة ملايين نسمة إلا أنه شاغل الناس ومالئ العالم. فالعالم كله كما أحسب وبدون استثناء من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه مشغول به وله.
* هو بحق بلد العجائب والغرائب والأساطير التي لا توجد سوى في المرويات الفينيقية، له طبيعة خلابة دفعت البعض إلى تشبيهه بسويسرا وهوائه عليل يرد الروح عند كثيرين ومياهه عذبة بل هو من أكثر البلدان العربية غزارة في المياه، وروح أهله مضيافة حتى أصبحت مثالًا بين كل العرب، كما أن تنوع طوائفه جعله موزايك مذهبي وديني وعرقي قل أن يوجد له مثيل في كثير من مناطق العالم.
* في المقابل له ميليشياته وأحزابه وفرقه السياسية التي جعلت كثيرين يشبهونها بالدويلات داخل الدولة الأم. فلكل حزب قوته المجتمعية والعسكرية والسياسية ولعل تشكيل الحكومة قبل عامين تقريبًا والذي استغرق وقتًا طويلًا جعل لبنان وكأنه بدون حكومة، خير مثال.
* هكذا أحوال تدفع بعضًا ممن يعشقون لبنان إلى الخوف عليه ومنه وبخاصة أن له تجارب مرة كالحرب الأهلية التي استغرقت أكثر من (15) عامًا أكلت الأخضر واليابس. ومبعث الخوف من أن شرارة بسيطة وتهور غير محسوب من أحد الفرقاء اللبنانيين قد يحول البلد إلى كرة لهب، فحادثة برج أبو حيدر، معقل جماعة laquo;الأحباشraquo; وهي فرقة دينية تكفيرية متطرفة واشتباك عناصر من حزب الله معهم ومقتل عدد من الطرفين كادت تكون فتيل حرب أهلية كما حدث في عام 1975م.
* كذلك اقتحام قوة من حزب الله لمطار الرئيس رفيق الحريري لحماية مدير عام الأمن اللبناني السابق اللواء جميل السيد والتي أسماها البعض laquo;غزوة المطارraquo; أدت إلى ترسيخ الاعتقاد بوجود دويلات قوية فعليًا داخل لبنان بإمكانها العمل كما يحلو لها دون أي اعتبار لأي شكل من أشكال السيادة الوطنية.
* واليوم يعتبر البعض زيارة الرئيس الإيراني إلى لبنان على أنه دعم لفريق لبناني على حساب أطراف أخرى وربما على حساب الدولة اللبنانية ذاتها وهو ما قد يدفع إلى لجوء طرف أو آخر إلى قوى خارجية أخرى بما فيها إسرائيل لإحداث توازن داخل لبنان ذاته.
* لبنان الذي يجذب الناس رغم كل تناقضاته وغرائبه يستحق بحق من اللبنانيين أنفسهم الحرص على وحدة وطنهم والبعد الكلي عن عقلية الاستقواء بالخارج.. فعقلية كهذه لن تجلب سوى الخراب والدمار للبلد الجميل ولأهله المضيافين، وكفى المنطقة تفجرًا وتوترات لا يستفيد منها سوى أعداء الأمة العربية وفي مقدمتهم العدو الصهيوني.