خوف المرأة الأول
ثريا الشهري
الحياة اللندنية
أجرت صحيفة زميلة مع الباحثة والكاتبة السورية كلاديس مطر حواراً مطولاً للإجابة على سؤال هل هناك عقل نسوي عربي وآخر غربي، على اعتبار أن هناك عقلاً نسوياً وآخر ذكورياً!! وقد أعدت الباحثة دراسة لها بعنوان laquo;تأخير الغروبraquo; كانت محور اللقاء، ومن أبرز ما لفتني ولن أقول ما جاء في الحوار، لأنه حافل بكل مهم، وصفها لعقل المرأة بالبرمائي الذي يعيش تحت الماء وفوق الماء وفي أكثر المناخات قسوة وتبدلاً، بيد أنه من العقول الأكثر مواربة في التعبير عن نفسه، لذلك فهو عقل محجوب وربما لا يزال يعيش في فترة ما بعد الصدمة. وتقصد الحداثة وما اعترى المجتمع من تحولات على كافة الأصعدة، إذ ترى الباحثة أن العقل العربي النسوي تعود أن يتردد في الإفصاح عن ذاته مما أثر على مسيرة نضجه ونموه واكتماله كأداة للوعي والتأقلم.
أما مسألة laquo;تأخير الغروبraquo;، واحتلت عنوان الدراسة، فهي تلك النزعة اللاواعية (وفي روايتي الواعية) لتأخير الغروب الجسدي بشتى الطرق، ذلك أن المنظومة القيمية الاجتماعية والدينية العربية التي تتناول موضوع المرأة إنما تركز في تقدير قيمة المرأة على خصوبتها وجمالها وقدرتها على جذب الانتباه، الأمر الذي يعتبر بحق منهكاً لعقل المرأة وروحها.
تعرض الدراسة لأهم خمسة أنواع من الخوف عانى العقل النسوي العربي ويعاني منها، ليس لأن هذه المخاوف محصورة بهذا العدد، فمخاوف عقل المرأة العربية بالعشرات، ولكن، لأنها بحسب وجهة نظر الباحثة من أساسيات أسباب الخوف لديها. وهذه المخاوف تتلخص في الخوف من البقاء وحيدة، ومن أن تدفن حية (بالمعنى المجازي)، ومن الحرية، ومن المتعة، ومن المسؤولية. وهي مخاوف تراكمت عبر السنين وشوهت كثيراً من بنية هذا العقل فحبسته ضمن فترة زمنية بعينها لم يخرج - ولم يعرف كيف يخرج- منها إلى اليوم.
وهنا لي وقفة، فكلاديس لم تأت على ذكر الخوف من فقد الأمان المادي المسيطر على عقل المرأة والمتحكم بجل تصرفاتها، صحيح هو خوف يشترك فيه الجنسان، ولكنه عند المرأة أكثر هاجساً laquo;وبعبعاًraquo; منه عند الرجل، فالرجل يخلق الفرص ويجلب المال فلا يخشى إلا من تقاعسه، أما المرأة فمجتمعها علمها أن تنتظر فرصتها وما يتفضل به الرجل عليها، وهو تفضل ليس بالضرورة أن يحكمه الواجب والضمير بقدر ما يحدده رضا المتفضل وتقيد المتفضل عليه بالشروط، فلا غرو إذاً أن يتعلم عقل المرأة التفكير والتدبير بأسلوب قهري وملتوي، وربما انتقامي.
وقراءتي أن الخوف من فقد الأمان المادي هو أم الكبائر في حياة المرأة، بموجبه يترتب الكثير من قراراتها، فالرجل الذي اختل توازنه -ولا يزال- بفعل ما وصفته الباحثة بالصدمة، كان استيعابه لتغيرات العصر ومغرياته بالتحلل من صفاته الرجولية في تحمله المسؤولية التي كانت يوماً مصدر جذب المرأة إليه، تحلل استتبع بنتائج قاسية تكلفت وزرها الزوجة الأم وأبناؤها، أما الرجل فعرف كيف يفلت منها أحياناً باستغلال ثغرات القانون، وأحياناً أخرى بمعونة عقلية المجتمع الذكوري الذي تعود لوم المرأة والإلقاء بحمل ما أهمله الرجل عليها، فيتجمد الزمن بالمرأة بابتداء مغامرات الذكر المستهترة. وباستشراء تلك المغامرات تلجأ المرأة إلى حيلة استغلال الرجل واستنزافه مادياً، فعقلها لم يعد laquo;الترجمانraquo; الأفضل لصورتها النقية، عقل تشظى فتشظت معه، عقل رسم صورتها بناء على ما يقدر الرجل أن يصل بظلمه معها فسوغ لها ما يمكن أن تفعل به، بل تجده أحياناً يأمرها بأفعال استباقية للتحوط من غدر قادم، فيستحوذ الشره على عقلها لتأمين نفسها وأبنائها (أو مجرد نفسها)، يساهم في قولبته العنف الاستهلاكي الموجه، حتى تتغرب المرأة عن ذاتها الحقيقية بذريعة توفير الأمان المادي الذي يسحق بدوره احساسها بالأمان المعنوي.
عندما يتحوّل القلق إلى غضب
إقبال الأحمد
القبس الكويتية
ملخص ما حصل في قناة laquo;سكوبraquo; منذ الاتهام بالتحريض على قلب نظام الحكم، إلى الهجوم الكلامي الذي خرج من استديوهات القناة، إلى الهجوم على مبنى المحطة، كله معادلة بسيطة لمخرجات متوقعة في ظروف نعيشها بالكويت.. عندما يتحول القلق الى غضب، فلا شيء يمكن أن يوقف هذا الغضب ويحد من تداعياته.
ما حصل في فرنسا عندما خرج مئات الآلاف من مختلف شرائح الاعمال، بمن فيهم الطلبة.. كلٌّ يريد أن يعبر بطريقته الخاصة عن رفضه أو قبوله لتوجه السلطة لرفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما.. هو القلق الذي تحول الى غضب.
في الكويت وإثر خروج الامور عن زمامها.. وذوبان القانون مع الهيبة مع الاحترام مع الحدود مع الانضباط مع الالتزام مع.. مع.. مع.. كلها في ق.در واحد يغلي تحت نار غياب القانون وانفلات الأمور.. تكون تلك هي مشاهد الحياة اليومية.
عندما يغلي قدر الأخلاق والهيبة والسلطة والاحترام و.. و.. و.. فإن السموم المنبعثة من هذا القدر تقتل كل من يستنشقها.. القريب منه والبعيد بعد أن تصيبه بالهلوسة وفقدان السيطرة على الأعصاب.
في الكويت بدأت تنفلت الاعصاب بعد أن ظلت متوترة فترة من الزمن.. فلم يعد احد يحتمل الآخر.. الكل مستنفَر ومتوتر.. واي كلمة مستفزة، مهما كانت بسيطة، قادرة على تحويل الانسان من مواطن ساكن الى مواطن مجرم.
اليد الطولى أصبحت هي اداة الكلام في مجتمعنا اليوم، وهي اللغة التي يتحدث بها الطالب مع مدرّسه والمريض مع الطبيب.. وهي اللغة نفسها التي تحدث بها المحتجون على قناة laquo;سكوبraquo;.. واذا ما استمر الوضع فإن اليد هي التي ستكون القانون الذي سيضعه كل مواطن في جيبه، ويرفعه أمام من يخطئ كما يحصل في ملاعب كرة القدم.
التعليقات