تسريباتها كشفت الوجه المخفي لمعاناة المدنيين
ديفيد كلاود ونيد باركر
محللان سياسيان أميركيان
كشفت معلومات تسربت عن الوثائق الأميركية المتعلقة بالحرب في العراق عن تفاصيل مئات الحالات التي عثرت فيها القوات الأميركية على أدلة تؤكد إساءة معاملة قوات الأمن العراقية لسجناء الحرب. كما كشفت المعلومات المتسربة أن الجنود الأميركيين لم يبذلوا من الجهد ما يكفي لوقف ممارسات العنف ضد السجناء. وتعد حالات إساءة معاملة سجناء الحرب هي العنصر الأكثر إثارة في التقارير الأميركية السرية التي يقارب عددها الـ4 آلاف تقرير، بثتها شبكة quot;ويكيليكسquot; ضمن واحد من أكبر تسريبات المواد السرية المصنفة في التاريخ الأميركي الحديث.
وعلى رغم التوثيق السابق لحالات إساءة معاملة سجناء الحرب في الماضي، فإن المعلومات الجديدة التي سربتها شبكة quot;ويكيليكسquot; تكشف عن تفاصيل حالات لإساءة معاملة السجناء علمت بها القوات الأميركية المرابطة في العراق. ففي حالة من الحالات، حقق الجيش الأميركي مع موقوف اعتقلته القوات العراقية في يوليو من عام 2006 في إحدى ضواحي العاصمة بغداد. وذكر المعتقل الذي يرمز إليه بالرمز DAT 326 للجنود الأميركيين الذين حققوا معه أنه تعرض للتعذيب وإساءة المعاملة على أيدي الجنود العراقيين الذين اعتقلوه لبضع ساعات. وقد أكد اختبار طبي أميركي صحة المزاعم التي أثارها ذلك المعتقل العراقي. وقال المعتقل إنه أرغم على الاستلقاء على بطنه مع وضع يديه على ظهره، وإن عدداً من الجنود داسوا عليه بأحذيتهم وتبولوا وبصقوا عليه. وكانت قناة quot;الجزيرةquot; الفضائية هي التي بثت الخبر لأول مرة. ومعروف أن شبكة quot;ويكيليكسquot; منحت تلك القناة الفضائية فرصة كبيرة للاطلاع على وثائق الحرب السرية التي بثتها. وقالت الفضائية إن وحدة بالجيش الأميركي قررت عدم التحقيق في الحادثة لأن المتورطين فيها جنود عراقيون. وذكر التقرير أنه، بالنظر إلى عدم توفر أية أدلة على تورط جنود أميركيين في حادثة إساءة معاملة المعتقل المذكور، لم تجرِ القوات الأميركية أي تحقيق في الحادث.
وإجمالاً تصف الوثائق السرية المتسربة، التي تعرف في أوساط الجيش الأميركي باسم تقارير quot;الأنشطة الرئيسيةquot;، تفاصيل دقيقة لما تواجهه القوات الأميركية في العراق يوميّاً منذ عام 2003 وإلى اليوم، بما في ذلك الإخطار عن حالات الوفاة والوصف الروتيني اليومي للهجمات، إضافة إلى المعلومات الاستخبارية الحساسة، ومحاضر الاجتماعات التي عقدتها وحدات الجيش الأميركي في العراق.
يذكر أن quot;ويكيليكسquot; -وهي منظمة إلكترونية سرية- كشفت عن هذه الوثائق السرية وبثتها لجميع مستخدمي الشبكة الإلكترونية بهدف الكشف عن أخطاء الحكومة وغيرها من المؤسسات والشركات ذات الصلة بالحرب، على رغم التحذيرات التي تلقتها من quot;البنتاجونquot; من أن الكشف عن المعلومات العسكرية السرية المصنفة من شأنه أن يعرّض حياة الجنود الأميركيين وحلفائهم في العراق للخطر. ومن جانبها وصفت quot;ويكيليكسquot; في بيان أصدرته المعلومات التي سربتها بأنها توفر أول لمحة حقيقية عن التاريخ السري للحرب التي طالما تسترت على حقائقها الحكومة الأميركية منذ اندلاعها وإلى اليوم. هذا وقد شجب المسؤولون الأميركيون تسريب quot;ويكيليكسquot; لهذه الوثائق لتجاهلها لكل الالتماسات التي قدمت لها خلال الأسابيع القليلة الماضية بعدم نشر هذه الوثائق الحساسة. ولكنهم في الوقت نفسه قللوا من أهمية المعلومات المتسربة بوصفهم إياها بأنها لا تمثل سوى معلومات خام لن تسهم كثيراً في رفع مستوى إدراك الجمهور الأميركي لطبيعة الحرب الدائرة في العراق. وفي بيان له قال الناطق الرسمي باسم البنتاجون quot;جيف موريلquot;: quot;إننا نشجب بشدة النشر غير المصرح به للوثائق السرية المصنفةquot;. ووصف المعلومات التي سربتها quot;ويكيليكسquot; بأنها لا تمثل سوى شذرات عن أحداث لن يكون لها أثر يذكر في توفير وعي جديد بالحرب، على رغم مأساوية ما نشر عن إساءة معاملة سجناء الحرب.
وإضافة إلى ما نشر عن إساءة معاملة السجناء، هناك أيضاً الكثير من الملفات التي وثقت لهواجس الأميركيين من أن تكون قوات الحرس الثوري الإيرانية توفر الأسلحة والتدريب اللازم للمليشيات الشيعية العراقية في إطار حرب تخوضها هذه المليشيات بالوكالة عن إيران في العراق. وتهدف هذه الحرب إلى قتل أكبر عدد ممكن من الجنود الأميركيين، والأقلية السُّنية العراقية. كما تردد ذكر القتلى المدنيين كثيراً جدّاً في الوثائق التي بثتها quot;ويكيليكسquot;. وقالت هذه الأخيرة إن تحليلاتها للتقارير المتعلقة بالقتلى المدنيين، تشير إلى مقتل نحو 109032 شخصاً خلال السنوات السبع الماضية، بمن فيهم حوالي 66081 من المدنيين و23984 من المتمردين و 15196 من الجنود وضباط الشرطة العراقيين و3771 من الجنود الأميركيين وغيرهم من جنود التحالف الدولي.
يذكر أن الوثائق المتسربة التي نشرتها quot;ويكيليكسquot; تشير إلى أمر أميركي يعرف باسم FRAGO 242 نص على عدم وجود أي التزام بإجراء تحقيقات في المزاعم القائلة بتعرض الأسرى العراقيين لإساءة المعاملة، ما لم تشمل تلك المزاعم تورط الجنود الأميركيين في تلك الحالات. ويجدر بالذكر أن قناة quot;الجزيرةquot; وصحيفة quot;الجارديانquot; البريطانية نشرتا معلومات مفصلة عن ذلك الأمر العسكري حصلتا عليها مما بثته شبكة quot;ويكيليكسquot;. ولكن لا ينفي ذلك الأمر حقيقة بدء مكافحة القادة العسكريين الأميركيين لممارسات إساءة معاملة سجناء الحرب من قبل أفراد القوات العراقية اعتباراً من أواخر عام 2005. غير أن التقارير الرسمية التي أعدوها لا تشير بوضوح إلى إجرائهم تحقيقاً في كل حالة من الحالات التي يزعم فيها المعتقلون تعرضهم لإساءة المعاملة من قبل معتقليهم العراقيين.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة quot;إم. سي. تي. إنترناشيونالquot;
التعليقات