محمد بن هويدن


إن ما يحدث في العراق من تجاذب سياسي بين الكتل والأحزاب السياسية يعتبر ظاهرة طبيعية بكل معنى الكلمة باعتبار أن العراق بلد ذو طوائف وأعراق ومذاهب مختلفة يؤثر وجودها بشكل مباشر في ما يحدث في الساحة السياسية في ذلك البلد.

وأن التأخير الحاصل في مسألة تشكيل الحكومة والذي يزيد على الثمانية أشهر هو أيضاً ظاهرة طبيعية حيث ان هناك دولا يحدث فيها مثل هذا الأمر مثل بلجيكا على سبيل المثال الدولة الأوروبية الديمقراطية التي استمر فيها الجدال حول تشكيل الحكومة لفترة تصل إلى السنتين.

فالتجاذب السياسي والتأخر في تشكيل الحكومة ليسا بظاهرة سيئة في الدول الديمقراطية نظراً لأنهما يحدثان في أجواء سلمية وهادئة ولا يكون لهما تأثير سلبي مباشر في مسألة تسيير أمور الحياة اليومية في البلد، وهو الأمر الذي نشاهده حاصلاً بشكل كبير في العراق.

لكن الظاهرة السلبية في العراق ظاهرة التدخل الأجنبي السافر والقوي في تحديد معالم الساحة السياسية، أي أن العراق الذي كان في يوم من الأيام وحدة واحدة متجانسة سياسياً أصبح اليوم مفككا إلى درجة أن الخارج هو الذي يسيطر على أوراق اللعبة الداخلية وهذا ما يثير الخوف حول العراق أكثر من أي شي آخر.

فالعراق المخترق من الخارج هو مصدر تهديد لأمنه وأمن منطقته تماماً كما هو لبنان على سبيل المثال، حيث ان الظروف الخارجية من تجاذبات تحدث بين الدول صاحبة النفوذ في لبنان تلقي بظلالها على أمن لبنان وأمن المنطقة بأسرها ويصبح ذلك البلد ساحة لتصفية حسابات أطراف خارجية تسعى إلى تعظيم مكاسبها والتقليل من خسائرها. العراق اليوم يعيش ذات الخطر حيث ان أطرافا إقليمية ودولية داخلة بشكل واضح وقوي في معادلة الداخل العراقي مما يجعله تحت رحمة مثل تلك الدول وسياساتها.

الحقيقة هي أن العراق الحالي ليس عراق الماضي، وبالتحديد أن عراق ما بعد الانتخابات الأخيرة ليس هو عراق ما قبل الانتخابات الأخيرة حيث ان الانتخابات الأخيرة فرضت واقعاً جديداً على الساحة العراقية مفاده أن الطائفية والمذهبية لم تعودا المحرك الأساسي للناخب العراقي بل ان الوطنية هي التي استطاعت أن تنجح من خلال التراجع الكبير لمقاعد الأحزاب الدينية الشيعية والسنية في البرلمان وتراجع أيضاً مقاعد أصحاب النزعة الطائفية كالأكراد.

هذا الأمر يجب أن يستثمر من قبل الجميع بحيث يكون دعم جميع الأطراف المسؤولة لهذا التوجه حيث ان المؤشر يقول ان عراق الغد سيكون أفضل من عراق اليوم إذا ما تم دعم التوجه الجديد في العراق.

ولكن الاستمرار في التدخل اللامسؤول في العراق قد يؤدي إلى تنامي النزعة الوطنية المتطرفة الرافضة للتدخلات الأجنبية إلى درجة أن تؤدي الأمور إلى ربما حدوث انقلاب عسكري يأتي بالعسكريين إلى سدة الحكم وينهي الحياة الديمقراطية الوليدة في ذلك البلد. مثل هذا الوضع لن يكون في صالح أي طرف حيث ان العراق المتطرف بوطنيته سيكون مصدر تهديد للجميع.

بالطبع هناك جهات خارجية لها مصلحة في الداخل العراقي لا تحبذ للعراق أن يتوجه نحو الوطنية المعتدلة وترى في التوجه الوطني خطورة على مصالحها، وبالتالي فإنها تحاول أن تلعب على وتر عدم إنجاح هذا التوجه في العراق.

وهذا في حد ذاته معضلة كبيرة أمام العراق وقدرته على تحقيق هدف الاستقرار فيه. إلا أن ما يجعلنا متفائلين في هذا السياق هو أن العراق الذي استطاع أن يخرج من كل ما مر به من اقتتال طائفي ومذهبي واستطاع أن يبني له روحا وطنية جديدة فإنه قادر على تجاوز هذه المعضلة بطريقته الخاصة، وسيأتي اليوم الذي سيرفض فيه كل عراقي التدخلات التي تحدث على أرضه من قبل أطراف خارجية لا يهمها إلا مصالحها.

ولكن ذلك لا بد أن يتم من خلال دعم جميع الأطراف المسؤولة للتوجه الوطني لدى الشعب العراقي وعدم تركه يعود إلى نزعته الطائفية والمذهبية من خلال التقرب إلى الشعب العراقي والارتباط بمكوناته وتعزيز مقوماته العربية والإسلامية بعيداً عن التعصب ونبذ الآخرين حيث ان التجاهل والابتعاد قد يؤديان إلى التعصب الذي سيلقي بظلاله على كل من هو حول العراق.