جاسر الجاسر

ما تضمنته وثائق ويكيليكس من فضائح تدين الأمريكيين بوصفهم قوة احتلال والحكومات العراقية المتعاقبة في عهد الاحتلال لا بد ألا يمر دون محاكمة، وإنْ اتجه النصيب الأكبر إلى قوة الاحتلال الأمريكي وإلى حكومة نوري المالكي وإيران بوصفها أكثر دولة مجاورة للعراق تدخلاً سلبياً في الشؤون العراقية، ولعبها دوراً يوازي دور الاحتلال الأمريكي؛ فالحرس الثوري وفيلق القدس كانا قوتي احتلال عسكري تم تعزيزهما بمليشيات قتالية نفذت عمليات قتل وتصفية لخصوم سياسيين للاحتلال والساسة الذين جلبهم الاحتلال والنفوذ الإيراني.

هذا الثالوث كشفتهم وثائق ويكيليكس، التي تطابقت مع ما نشرته وتحدثت عنه الهيئات والمنظمات الحقوقية والمعارضة السياسية العراقية وكل مَنْ زار العراق.

هذه الفظائع ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية وقوات الحكومات العراقية التي شُكِّلت في ظل الاحتلال وفرق الموت والمليشيات التي أدخلتها إيران ومولتها وسلحتها تحت إشراف ضباط المخابرات الإيرانية من عناصر الحرس الثوري.

هؤلاء الذين شخَّصت الوثائق جرائمهم، التي خلَّفت مئات الآلاف من الضحايا من القتلى المدنيين وأكثر من مليون أرملة وخمسة ملايين من الأيتام، يفترض أن يخجلوا قليلاً أو على الأقل يتواروا ويصمتوا، لا أن يقدموا تبريرات وأعذاراً لا يقبل بها أحد ولا يصدقها كل ذي بصيرة؛ فالجرائم تحدَّث عنها الجميع، وجاءت الوثائق لتؤكدها.

ما كان يجدر بالولايات المتحدة الأمريكية أن تحصر اهتماماتها في الحفاظ على سلامة المتورطين في ارتكاب هذه الجرائم؛ حيث تدافع الحكومة الأمريكية ووزارة الدفاع (البنتاغون) عن سلامة الجلادين وتتركان أسر الضحايا يتعذبون بذكرياتهم، تحاصرهم المشاكل، فالمليون أرملة والملايين الخمسة من الأيتام لا يجدون من يقف معهم، فيما تهتم أمريكا بسلامة من ارتكب الجرائم وتتجاهل من اكتوى بتبعات هذه الجرائم!

أما رئيس الحكومة المنتهية ولايته، الذي يلهث لتمديد حكمه، فهو المتهم الرئيس من المسؤولين العراقيين الذين تسببوا في هذه الجرائم ومهدوا للمجرمين الذين ارتكبوا كل هذه الموبقات، و(تآمر) مع الإيرانيين لقتل مواطنيه العراقيين، وساهم في تكوين عصابات القتل المسؤولة عن تصفية عشرات الآلاف من العراقيين، منهم المئات من العلماء.

أما الإيرانيون فأفعالهم الإجرامية تحدَّث الجميع عنها؛ فقد نشروا القتل الطائفي، وسلحوا العصابات الإجرامية.. هذا القتل لم يقتصر على أهل السنة، وإن كانوا الهدف الأكثر؛ حيث إن كل العراقيين عانوا من جرائمهم.

هذا الثالوث الإجرامي ينشغل في إيجاد التبريرات والأعذار، مع أن المسؤولية الأخلاقية والأدبية والقانونية تفرض أن تأخذ العدالة مجراها، وأن يخجلوا ويعترفوا بما اقترفت أيديهم من جرائم ضد الإنسانية، وأن يخضعوا للقانون لمعاقبة من أجرم، ويُبرَّأ من أُلصقت به تهم لم يرتكبها.