محمد المزعل
مؤكد أن ردة الفعل الإماراتية الأخيرة على رفض كندا زيادة الرحلات الجوية لطيراني الإمارات والاتحاد لن تغير موازين السياسة الدولية، لكنها بالتأكيد مؤشر لما تحمله العولمة في المستقبل. ظلت العولمة لسنوات تحمل صيغة استهلاكية ومن ثم انتقلت إلى قطاع المعلومات والاتصال. لكن يبدو أنها اليوم تدخل مرحلة جديدة، هي الثالثة، تتمحور حول laquo;عولمة النفوذraquo;. قد يرى البعض أن مثل هذا الحديث مبكر لأوانه. أو أن حادثة واحدة مثل الخلاف الإماراتي الكندي لا تشكل مقياسا علميا أو سابقة تاريخية يمكن البناء عليها أو إثبات دخول العولمة مرحلة جديدة.
لكن النظر بعمق لما جرى بين دولة خليجية صغيرة مثل الإمارات من جهة، ودولة مؤسسة لنادي الدول الصناعية السبع وذات مساحة ربما تتجاوز مساحة الدول العربية مجتمعة، ينبئ بأن laquo;شيئا ماraquo; يحدث فعلا. وأشياء كثيرة ستتغير.
ما جرى خلال الأيام العشرة الماضية تلا بيانا تحدث عن laquo;فشل المفاوضات بين دولة الإمارات وكنداraquo; في شأن طلب إماراتي بزيادة رحلات طيراني الإمارات من دبي والاتحاد من أبوظبي إلى مدن كندية بواقع رحلة يوميا لكل منهما، بدلا من الرحلات الأسبوعية الثلاث حاليا. كندا، التي تعاني من خسائر هائلة يتكبدها الطيران الحكومي، رفضت مرارا الطلب الإماراتي حماية لشركتها الوطنية. ذلك الأمر أغضب المفاوض الإماراتي الذي اعتبر laquo;سياسة الحماية الوطنيةraquo; تتعارض نصا وروحا مع مبادئ التجارة الحرة التي تشكل كندا أحد ركائزها منذ مطلع القرن العشرين.
لذلك كان البيان الإماراتي، الموقع باسم السفير في أوتاوا محمد الغفلي، صريحا جدا حين اعتبر أن الموقف الكندي laquo;سيضر بالعلاقات الثنائيةraquo;. ويبدو أن الكنديين لم يعيروا كثيرا اهتماما بهذه العبارة. أو ربما اعتبروها جملة زائدة في البيان.
لكن اليوم ذاته حمل أنباء تشير إلى جدية ذلك الإنذار النادر من نوعه. فقد أبلغت أبوظبي كندا بإنهاء عقد القاعدة العسكرية الكندية laquo;الصغيرة أصلاraquo; laquo;ميراجraquo; والتي تستخدمها القوات الكندية المشاركة في التحالف الدولي العامل في أفغانستان.
هنا انتبه الكنديون إلى جدية المسألة. وكعادة البعض في الغرب للأسف، استخدم الإعلام laquo;والتسريباتraquo; المعروفة لإعطاء القضية بعدا آخر. اعتبر الموقف الإماراتي من القاعدة العسكرية laquo;ابتزازاraquo; للضغط على كندا لقبول زيادة الرحلات التجارية. الإمارات تجاهلت تلك laquo;التسريباتraquo;. حتى جاء اليوم الثالث وكان مخصصا للتصويت في الأمم المتحدة على من يشغل خمسة مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن laquo;مدتها عامraquo;. وكان الكنديون ينافسون البرتغاليين. وكان واضحا أن الإمارات لن تتجاهل المسألة لا سيما وأن أوتاوا باتت منذ تسلم ستيفن هاربر رئاسة الحكومة قبل أربع سنوات إسرائيلية الهوى. وللدول العربية كثير من التحفظات على المواقف الكندية من الصراع العربي الإسرائيلي حتى فيما يتعلق بالقضايا الانسانية الواضحة كمجزرة laquo;أسطول الحريةraquo; التي رفضت كندا أي تحقيق دولي فيها.
وحسب مسؤول إماراتي، فإن الدبلوماسية الإماراتية استطاعت إقناع المجموعة العربية وكذلك أصدقاء الدولة في الأمم المتحدة بالتصويت لصالح البرتغال. وحين تبين للكنديين خسارتهم المؤكدة في التصويت الثاني انسحبت كندا من السباق. الانسحاب لم يمر مرور الكرام في البرلمان الكندي. حيث هوجم هاربر ووزير خارجيته على laquo;الأخطاء التي لا يرتكبها سوى هواة السياسةraquo; والتي أدت إلى laquo;نكسات متعاقبةraquo; للدبلوماسية الكندية على يد laquo;دولة صديقة وحليفةraquo;.
قد لا نعرف أبدا من صوت لكندا ومن صوت ضدها، فالتصويت سري. لكن المؤكد أن كندا كانت ذاهبة بثقة إلى الفوز بمقعد لم تخسره في تاريخها أبدا. فطوال عمر الأمم المتحدة نافست كندا ست مرات على المقعد وفازت بها جميعا. ما الذي تغير؟
هذا السؤال الذي لا بد يدور في أذهان المسؤولين الكنديين منذ أسبوع. وعلى الأرجح أنهم لا يصدقون أن بلدا عربياً يمكن أن تكلفهم قاعدة عسكرية ومقعدا في مجلس الأمن في ظرف ثلاثة أيام فقط.
ان الإمارات لم تخترع العجلة. ولم تأت ببدعة في العلاقات الدولية. ولم تتجن على بلد صديق. بل استخدمت سلاحا دبلوماسيا كان لعقود طويلة حصرا على laquo;الدول العظمىraquo;، هو سلاح laquo;النفوذraquo;. مؤكد أن الإمارات لن تنحو نحو استخدام laquo;عقوباتraquo; لاتزال الدول الغربية تستخدمها بسهولة وكثرة ضد كثير من الدول النامية، الإمارات استخدمت ما تقدر به على الدفاع عن مصالحها الوطنية ومصالح شركات استراتيجية.
واستطاعت الإمارات ذلك بفعل laquo;عولمة النفوذraquo;. هذا النوع من العولمة جعل laquo;قوة النفوذraquo; متحركة. موبايل بالمعنى السياسي. لا تتركز في بلد أو مقتصرة على عاصمة. بل تتحرك حيث تجد من لديه القدرة على إسنادها بقوة لا تقبل النقاش، مثل الصناديق السيادية laquo;الصين مثالا واضحاraquo;، أو القوة العسكرية laquo;واشنطن وحلفاؤهاraquo;، أو امتلاك مركز اقتصادي يهم العـالـم، غنيـه وفقـيره. الإمـارات تمتلك ذلك المركز وتضيـف إليـه صنـدوقا سياديا معتبرا كانت الحاجة العالمية واضحة له خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة.
التعليقات