إياد الدليمي

لم يعد هناك من شك بأن كل من خطط ونفذ وشارك في احتلال العراق يعد مجرم حرب وبالتالي تجب محاكمته، فلقد أثبتت الوثائق التي نشرها موقع laquo;ويكليكسraquo; والمتعلقة بحرب العراق، أن ما جرى على هذا البلد مؤامرة أدت إلى مقتل الآلاف من أبنائه على يد قوات الاحتلال والقوات العراقية التي شكلها الاحتلال بمعاونة من أحزاب سياسية جاء بها من الخارج لإدارة العراق.
فضيحة من العيار الثقيل تلك التي فجرتها الوثائق المنشورة، الكل تآمر على هذا البلد، الكل وضع سكينه على رقبة العراقيين بلا رحمة، الكل أحال نهار العراقيين إلى ليل دامس دون رحمة، بلا استثناء، أدانتهم الوثائق الأميركية جميعا.
والسؤال هنا، من سيحاكم هؤلاء؟ من سيحاكم مجرمي حرب ارتكبوا أفظع الجرائم بحق العراقيين، القوات الأميركية قتلت وأرعبت العراقيين، وأخفت وغضت الطرف عن جرائم أخرى ارتكبتها قوات عراقية، كما سهلت عمليات اعتقال العراقيين وزجهم في المعتقلات التابعة لحكومة نوري المالكي، والأخير قائد لميليشيات ترتدي زيا حكوميا تقوم بتنفيذ عمليات بحق العراقيين، اعتقال هنا وتعذيب هناك وسجن سري في بغداد وآخر في أطرافها، حقائق يشيب لها شعر الوليد.
العراقيون لم يفاجؤوا بتلك الحقائق، فهم يعرفونها جيدا، وحتى الذين اشتغلوا في الإعلام خلال سِني احتلال العراق، وكانوا أقلاما حرة وصادقة، لم يفاجؤوا، فليس هناك من عراقي إلا وكانت له قصة مع تلك الفظائع، وليس هناك من بيت عراقي إلا فقد عزيزاً بتعذيب الحكومة أو قوات الاحتلال، أو غُيب أبناؤه في تلك السجون الرهيبة التي تعدها الحكومة لأبناء شعبها، كلهم يعرفون الحقيقة، ابتداءً من ابن البصرة مرورا بابن النجف وكربلاء وبغداد والأنبار والفلوجة وديالى وصلاح الدين وكركوك وانتهاء بالموصل وتلعفر.
وبينما لم تجرؤ أميركا على إنكار تلك الوثائق؛ لأنها بالنهاية وثائقها التي تسربت إلى laquo;ويكليكسraquo; نجد الكَتَبة في بلاط المالكي يرفعون الصوت متهمين laquo;الجزيرةraquo; بمحاولة تسييس الموضوع، منكرين ما جاء في وثائق القوات الأميركية، ونجد هؤلاء وبلا أدنى حياء يصرحون ليل نهار بأن هذه الوثائق هي محاولة لمنع وصول المالكي إلى كرسي رئاسة الوزراء.
اختصر هؤلاء كل الحقيقة وحولوها إلى حرب ضد سيدهم المالكي، وكأن دم العراقيين الذي سفكته قوات الاحتلال والقوات التي تساندها والميليشيات الإيرانية، يجب أن تذهب هباءً مقابل أن يعود المالكي إلى كرسي رئاسة الوزراء من جديد، تعساً للكرسي وتعساً للمناصب التي أعمت العيون والقلوب.
البعض من هؤلاء الناطقين باسم المنطقة الخضراء لا يريدون أن يعترفوا بأنهم باتوا مطلوبين دوليا بتهمة ارتكاب جرائم، لا يريدون أن يصدقوا أن كذبهم وزيفهم على العراقيين قد بان وانكشف ستره، هؤلاء ما زالوا يمارسون الكذب، ليس على العراقيين، فهؤلاء يعرفونهم جيدا، وإنما على العالم، كما ظلوا سنوات طويلة في منافيهم يكذبون حول وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق، فجاءت الحرب بناء على أكاذيبهم ليكتشف العالم حجم تلك الأكاذيب السمجة التي تلقفتها واشنطن وشنت على أساسها الحرب.
اليوم كشف المستور، كما عبرت عن ذلك laquo;الجزيرةraquo; وهي تعرض هذا الفصل من فصول المأساة العراقية، ولم يعد هناك من عذر لدى أي طرف عراقي وطني يقول: إنه يريد مصلحة الشعب، إذا لم يبادر ويطالب بمحاكمة كل من تورط بتلك الفظائع.
أما العرب فإنهم اليوم مطالبون بضرورة أن يقدم كل المجرمين عراقيين أو أميركيين أو إيرانيين أو غيرهم إلى المحاكمة، على الجامعة العربية أن تتحرك، على منظمة المؤتمر الإسلامي أن تنهض، فالعراقيون ينظرون اليوم إلى عمقهم العربي والإسلامي لمقاضاة جزاريهم، أما حكومة بغداد فلا أمل يرتجى منها؛ لأنها جزء من هذه الحرب الفظيعة التي شنت على العراقيين.
لا نريد أن تدخل هذه الوثائق خانة النسيان، على الجميع أن يتحرك لرفع دعاوى قضائية بحق المجرمين، على الجميع أن يقدم ما يستطيع للعراقيين في إحقاق حقهم واستعادة وطنهم المسلوب منذ عام 2003.
الآن تكون مصداقية الكثير من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان على المحك، الآن سوف تظهر حقيقة مواقف تلك المنظمات وادعاءاتها، الآن سيكون السيد أوكامبو ومحكمته أمام اختبار إثبات الحرص على حقوق الإنسان، فما جرى بالعراق أكبر من دارفور بعشرات المرات.