واشنطن -عاطف قدادرة

قد تعرف العلاقات الجزائرية الأمريكية خطوات كبيرة في القريب العاجل، وفقا لمعطيات عدة يشتغل البلدان عليها. وعلى الأقل، تنتظر الجزائر زيارة لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لترسيم هذه الخطوات. وتفيد معلومات رسمية استقتها ''الخبر'' من جهات دبلوماسية في كتابة الدولة للخارجية الأمريكية، بوجود ترتيبات في هذا الشأن.

تسيّر الجزائر وواشنطن كثيرا من جوانب علاقتهما بكثير من السرية، سيما ما يشمل القضايا السياسية. والغالب المعروف هو تنسيق عالي المستوى في مجال مكافحة الإرهاب والتجارة البينية. لكن ملفات أخرى فضلت العاصمتان تسييرها في سرية، كما قالت مراجع دبلوماسية في العاصمة واشنطن، تخص التنسيق السياسي، وتسيير ملف الصحراء الغربية في فترة رئاسة باراك أوباما، ثم قضايا التسليح والاستثمارات المباشرة وحتى الملف الإيراني.
في أروقة كتابة الدولة للخارجية الأمريكية، التي زارتها ''الخبر'' طيلة الأسبوع الماضي، يسيّر الأمريكيون علاقاتهم مع الجزائر وفق منظور جديد تبدو اللمسة العملية طاغية باتفاق بين العاصمتين. وربما تقديم الجزائريين أنفسهم أمام الإدارة الأمريكية مؤخرا، بشكل مغاير يتماشى وشأن الإدارة الأمريكية ومنطق جماعات الضغط المتحكمة في صناعة القرار، وجد آذانا في البيت الأبيض الأمريكي والكونغرس على حد سواء. وبين البلدين حاليا عشرات الورشات التي قد ترى النور قريبا.
يقول دبلوماسي أمريكي في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن الإدارة الأمريكية فتحت قنوات عديدة للتفاهم مع الجزائر، انعكست أولا على الملف الأمني ظهر في دعم الموقف الجزائري في دفع الفديات للإرهابيين. و يذكر الدبلوماسي الذي رفض الكشف عن هويته، أن ''أمريكا تناقشت مع الجزائر في هذا الشأن عبر بعثات رسمية حلت ببلادكم في الأشهر القليلة.. كنا واضحين معكم ومتفقين جدا.. نحن نؤيد المقترح الجزائري ومستعدون لحمله بعيدا تحت الهيئات الدولية''.
دول الساحل أولى بمعالجة القضية الأمنية
كان واضحا من كلام كثير من المسؤولين الأمريكيين، أن منطقة الساحل الإفريقي تحظى بمتابعة واسعة في البيت الأبيض. ويقول الدبلوماسي إن ''أمريكا تخشى من التطرف في تلك المنطقة.. تخشى فعلا أن تستقطب مقاتلين من جنسيات أخرى''. وأضاف: ''نثق في الجزائر كثيرا لقيادة هذا الدور.. فدول المنطقة هي الأولى بمعالجة القضية''.
لقد دار حديث لسنوات عن رفض واشنطن بيع الجزائر أسلحة أمريكية.. وما تردد هو فرض واشنطن شروطا رفضتها الجزائر بخصوص ما يسمى المراقبة البعدية للأسلحة. والمعنى هو أن تحتفظ الإدارة الأمريكية بحقها في مراقبة وجهة تلك الأسلحة إن بقيت في الجزائر أو تسربت لجهات أخرى. لكن الخارجية الأمريكية صححت هذه المفاهيم، على أساس ما نقل لـ''الخبر'' من أن ''الولايات المتحدة الأمريكية تفرض هذا الشرط على جميع الدول التي يوافق الكونغرس على بيعها أسلحة عالية التكنولوجيا''. ويعرف الشرط بمسمى ''أف أم أس''. لكن رغم ذلك، فإن ''واشنطن تتعاطى مع طلبات جزائرية خارج هذا العقد بخصوص تجهيزات تقنية موجهة بالأساس لمكافحة الإرهاب''.
وأفيد أن الجزائر رتبت لاستقبال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وتوقعت مصادر من مكتبها أن تتم الزيارة خلال العام المقبل. وأفيد أن الجزائر ترغب في أن تكون لزيارة كلينتون ترسيما لتواجد الجزائر في مرتبة المتعامل الثاني عربيا بعد السعودية. وتكون الجزائر في راحة من أمرها إزاء حكم الديمقراطيين بسبب ما ذكرته الجزائر عن التزام تام لواشنطن بخصوص ملف الصحراء الغربية بأن القضية من اختصاص الأمم المتحدة. وقد بلغت الدبلوماسية الأمريكية نظيرتها بخصوص هذا الأمر، بعدما عرفت فترة حكم جورج بوش جهرا بدعم مقترح الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط كخيار وحيد لأي حل للقضية، في وقت يطالب الصحراويون بحق تقرير المصير.
الجزائر لا تمارس أي وساطة بين أمريكا وإيران
وحاولت ''الخبر'' فهم طبيعة العلاقة التي تربطها بأمريكا في وقت هي تتجه نحو تعزيز علاقاتها مع إيران. وكثيرا ما ترددت أنباء عن دور جزائري للوساطة بين واشنطن وطهران. لكن مصادر رفيعة قالت إن ''الجزائر لا تقوم بهذا الدور، وعلاقاتها بإيران لا تشكل أي إشكالية لدى الأمريكيين''. وتذكر بعض الحقائق: ''تكلمنا مع الجزائريين في هذا الشأن، وكانوا صرحاء كثيرا في هذا الملف وهو ما احترمناه فيهم''. وتابع: ''الجزائر قالت لنا إن لديها علاقات مع الدولة الإيرانية وإنهم يدعمون امتلاك الطاقة النووية للاستعمال السلمي.. هذه القاعدة نقرها نحن أيضا''.
السفير الأمريكي تفادى انتقاد إجراءات السوق الجديدة بعد استشارات مع باعلي
لقد نجح الأمريكيون وفقا لمنظورهم، في تفادي أي توتر في علاقاتهم الاقتصادية مع الجزائر، هكذا تقول المصادر بخصوص الإجراءات ''الحمائية'' التي أقرتها البلاد بخصوص الاستثمارات الأجنبية وقوانين الاستيراد. ولم تخف المصادر بروز ''تذمر وقلق'' لدى رجال أعمال أمريكيين فور صدور القوانين الجديدة، لكن مهمة قادها سفير الجزائر بواشنطن، السيد عبد الله باعلي، كانت وراء بروز هذا القلق على السطح. وأفيد أن باعلي أجرى كثيرا من المحادثات مع السفير الأمريكي في الجزائر، ينصحه فيها بالتريث في إبداء أحكام على القوانين الجديدة، قبل أن يتولى السفير الجزائري مهام اللقاء بمئات رجال الأعمال الأمريكيين لتقديم توضيحات عن القرارات الاقتصادية. ما يفسر التوافد الكبير لرجال الأعمال الأمريكيين على الجزائر، آخرهم الوفد الذي حل بالعاصمة في 24 من أكتوبر.
وتقول المصادر إن الأمريكيين أبلغوا الجزائر أنهم ''في حاجة لقوانين مستقرة.. السفير الجزائري قدم لنا شروحات وافية طمأنت رجال الأعمال''. كما يرغب الأمريكيون في ''الحصول على حرية أكبر في تحويل الأموال من الأرباح وهو أمر يناقش حاليا''.
وقالت المصادر إن الجزائر طلبت من الإدارة الأمريكية في مجال الاستثمار تقديم اقتراحات خارج المجال النفطي. وطلبت توقيع اتفاقيات في مجال الصناعة الدوائية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما أن وصول ''الخبر'' إلى واشنطن تزامن مع نهاية زيارة لوزير الموارد المائية عبد المالك سلال. وعلمنا أن الوزير التقى مئات من رجال الأعمال الأمريكيين المتخصصين في المنشآت القاعدية للمياه، في فندق بوسط واشنطن، وعرض سلال خطة القطاع للسنوات الأربع المقبلة والمخصصات المالية.
الجزائر غير معنية بإجراءات التفتيش الخاصة في مطارات أمريكا
لا يزال أمام الأمريكيين الكثير لعمله من أجل تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة في فترة الرئيس بوش، وموجة العداء للعرب والمسلمين. والواضح أن العلاقة حاليا ليست على أكمل وجه، لكن إدراكا بات يجتاح الرأي العام في الولايات المتحدة يفرّق بين الإرهاب والعرب والمسلمين، رغم استمرار قنوات أمريكية عملاقة وذات تأثير كبير (فوكس نيوز وسي أن أن) في تمرير رسائل غير حيادية في كثير من الأحيان عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومهما تكن التغييرات التي حصلت على الإدارة الأمريكية، فإن الشارع الأمريكي لا يبدو مهتما بتاتا بالسياسة الخارجية، بقدر اهتمامه بقضايا البطالة والتعويضات الصحية والأزمة الاقتصادية العالمية.
تقول رئيسة تحرير صحيفة ''بالتيمور صن'' التي زارتها ''الخبر'' يوم الجمعة، والتي تصدر في ولاية ميرلاند شمال شرق واشنطن، إن الشارع الأمريكي: ''يبحث اليوم عن أخبار السوق والبنوك والرعاية الصحية''. في ذلك اليوم كانت الصحيفة تعد صفحتها الأولى حول قضية بنك محلي أغلق العشرات من فروعه بسبب الأزمة المالية. في حين احتل خبر طائرة شحن قادمة من الإمارات وتحمل عبوة مشبوهة حيزا أقل. وهو ما تقول عنه المتحدثة ''وضوح أكثر اليوم في الصورة بعد تسع سنوات من تفجيرات سبتمبر''.
وبين هذه المعطيات، تابعت ''الخبر'' كيف يجري استقبال الأجانب العرب في مطار واشنطن، على أمل ملاحظة هل فعلا الجزائريون معنيون بالتفتيش الخاص، وهو إجراء سبق للإدارة الأمريكية أن أعلنت سحبه بالنسبة للجزائريين.. وإن تأكدنا من غياب هذه الإجراءات، إلا أن التعاطي مع المهاجرين ضمن طابور مشترك في المطار يعطي الانطباع بأن الأمريكيين يخشون من خطر محدق مصدره مجهول. ومن الصعب جدا المرور عبر المطار دون وجود كثير من الوثائق إلى جانب التأشيرة الأمريكية التي تمنح في السفارات، لأنها ستلغى في المطار وتلصق على جواز السفر تأشيرة أخرى محددة بتاريخ الدخول والخروج إلى الأراضي الأمريكية. كما يضطر المسافر لـ''استجواب'' قصير مع الشرطة المكلفة بختم الجوازات، تتضمن سبب الزيارة والوجهة، وإن كان المسافر قادما لوحده أو مع مجموعة أصدقاء أو عائلة. كما من الصعب تمرير أنواع من الأكل في الحقائب التي تسافر في قسم شحن الطائرة. وتلزم شرطة المطار الإبلاغ عنها في وثيقة تسلم للمسافرين، بالإضافة إلى وثيقة ثانية تختلف في شكلها بين المسافرين من أصول عربية وغير عربية. ويعني الإبلاغ عن وجود مأكولات، المرور الحتمي على جهاز كشف ثانٍ، في حين إن عدم الإبلاغ عنها قد يكلّف صاحبها غرامة 5000 دولار أمريكي.
لكن كثيرا من العرب يشكون ''تمييزا'' في المطارات الأمريكية، وهو سؤال وجهناه للسيد وليام جيه بيرنز، نائب وزيرة الخارجية للشؤون السياسية، فرد قائلا: ''منذ هجمات 11 سبتمبر نحاول إيجاد توازن بين الأمن الوطني والانفتاح على الآخرين.. نقر أننا إلى اليوم لم ننجح في تحقيق هذا التوازن، لكننا نعِد بالعمل أكثر لنؤكد صفات الانفتاح التي يتمتع بها الأمريكيون''.
حديث بيرنز عن عدم النجاح بعد في إيجاد التوازن، ينطبق على حالة صديق صحفي فلسطيني يسمى فراس الطويل، كانت له معاناة طويلة في مطار نيويورك، الذي استجوب فيه لمدة ست ساعات على ما ذكر لنا، ويروي أنه لاحظ في القسم الذي وجه نحوه عدة أشخاص بملامح عربية.. أمر يعكس شيئا من الهاجس الأمني الذي لا يزال مسيطرا على الأجهزة الأمريكية المختصة، رغم الخطاب المتحمس للتسامح الذي يحمله باراك أوباما.