نسرين مراد


عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 قامت الإدارة الأميركية بجملة من الأعمال السياسية والعسكرية عبر العالم. هنالك مناطق رئيسية متأثرة مثل أفغانستان والعراق وفلسطين.

في هذه العمليات laquo;النوعية حجماًraquo; يظهر بشكل واضح ضحالة فهم أو تنكّر السياسة الأميركية الخارجية لطموحات شعوب العالم الأخرى. ذلك أسوة بتدخلاتها السابقة في مناطق شرق آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. في كل من هذه القضايا تركت السياسة الأميركية الخارجية قضايا مزمنة تهدد السلم المحلي والإقليمي والدولي.

منذ ميلاد القضية الفلسطينية (قضية الشرق الأوسط) كان للإدارات الأميركية المتعاقبة دور غاية في السلبية. يتلخص ذلك بمقاومة ومعارضة أية حلول تعتمد تطبيق عدالة الشرعية الدولية. استخدمت حق النقض (الفيتو) عشرات المرات لإجهاض كل تحرك يدعو لإعادة الحقوق الشرعية للفلسطينيين، ولو بشكل جزئي ثمة إنساني خجول. التدخل الأميركي، المباشر وغير المباشر، لصالح إسرائيل أدى إلى مسخ القضية الفلسطينية بشكل مزمن.

في آخر تدخلات الإدارة الأميركية المنحازة لإسرائيل أدى إلى تحويل السلطة الفلسطينية المنشأة حسب اتفاق أوسلو إلى مجرد حارس آخر في المنطقة للمصالح والسياسات الأميركو-إسرائيلية. ربطت إسرائيل والولايات المتحدة قابلية حياة السلطة الفلسطينية الواهنة بالنظرية الأمنية الإسرائيلية، والسياسة الأميركية، عن طريق التحكم بقوت يوم السلطة.

في أفغانستان تواجه الإدارة الأميركية، ومعها حلفاؤها في حلف شمال الأطلسي، أزمة حقيقية. الدول الأطلسية مقبلة على هزيمة جماعية عسكرية سياسية مذلة. هذه لا تقل شأناً عما جرى للولايات المتحدة في فيتنام، وما جرى للاتحاد السوفييتي في الربع الأخير من القرن الماضي.

الإدارة الأميركية ومعها حلفاؤها تعتمد الحلول العسكرية والعمليات الاستخبارية laquo;القذرةraquo; للتعامل مع القضايا الحيوية للشعوب. تلك نظرية إمبريالية بائدة تعتمد التفوق العسكري لفرض شروط القوي laquo;المنتصرraquo; على الضعيف أو المستضعف.

منذ دخولها إلى ذلك البلد الفقير، أفغانستان، ضربت الإدارة الأميركية عرض الحائط بإرادة وقوة الشعوب الاستراتيجية. تغنت بترسانة عسكرية من الأسلحة والعتاد شملت الطائرات الخفيفة والمسيّرة عن بعد والاستراتيجية الثقيلة، وقنابل ثقيلة وصواريخ بعيدة المدى. حاولت الإدارة الأميركية إذلال الشعب الأفغاني عن طريق قتل مجموعات منه؛ بالقتل المباشر والخنق في الحاويات المغلقة والقصف البري والجوي.

في كل مرة كانت تقوم بأعمال إبادة جماعية تتذرع بحربها على مجموعات حركة طالبان وتنظيم القاعدة. للتغطية على فشلها أنشأت نظاماً سياسياً غير قابل للفطام وبحاجة إلى إسناد دائم، عسكري وسياسي وإداري ومالي.

في العراق ارتكبت الإدارة الأميركية سلسلة سوبر ـ طويلة من الأخطاء تجعل من احتمال نجاح عمليتها السياسية يلازم الصفر. الشيء الوحيد الذي نجحت فيه هو الإلقاء بالشعب العراقي في أتون حمام دم يشمل كل العراقيين، أفراداً ومجموعات وأحزاباً وطوائف وفئات. عن تخطيط وترصّد وسبق إصرار وضعت الإدارة الأميركية دستوراً طائفياً بامتياز. الدستور العراقي الموضوع بعد الاحتلال يقسّم العراق، سياسياً وجغرافياً وبشرياً، بين مجموعة من المتعصبين طائفياً ومذهبياً وعرقياً.

مجمل الأعمال السياسية الأميركية في الخارج تحتفظ بقليل من الميزات المشتركة. من هذه الميزات عدم اكتراث الإدارة الأميركية لفشل تُمنى به في سياستها الخارجية. العمل السياسي والعسكري لديها بات أقرب إلى لعبة أطفال، أو مغامرة أو مقامرة، لا مانع أن تفشل أو تكون ذات نجاح شكلي محدود. لا غرابة في الأمر!

فلدى الإدارة الأميركية ترسانة من الأسلحة والعتاد المكدس منذ أمد بعيد، ترغب في تجريبه في بلدان الآخرين. ثمة هنالك ميزانية مالية وفيرة تقتطعها من ميزانيات ومقدرات ومخصصات الشعوب، ومن بينها الشعب الأميركي نفسه.

ما قام به موقع laquo;ويكيليكسraquo; من نشر تسريبات! على شبكة الإنترنت هو laquo;قمة جبل جليدraquo; إحدى عمليات السياسة الخارجية الأميركية. سياسة تمتاز بالضحك على لحى وذقون الغير بشكل يثير الاشمئزاز في الأنفس. في مجملها هذه أخطاء استراتيجية تدفع الولايات المتحدة ثمناً باهظاً لها بشكل بطيء ثمة أكيد، يجعلها تتخذ مساراً مشابها لمآل الامبراطوريات العالمية البائدة