محمد سلمان العبودي

عالمنا أصبح يعج بالظواهر الغريبة والمفتعلة أحيانا تظهر فجأة وتختفي فجأة. ومنها ظواهر غيبية وظواهر طبيعية وظواهر إرهابية وظواهر مرضية واليوم بدأنا نسمع عن ظواهر بريدية.

فبعد الأخبار المثيرة للفزع باقتراب يوم القيامة والتي تنبأت بنهاية العالم في ديسمبر عام 2012 اعتمادا على فك شيفرات ورموز أجندة شعب حضارة المايا التي ازدهرت في المكسيك، خرجت لنا ظاهرة موجات غضب الطبيعة التي أغرقت العالم من اندونيسيا إلى تايلاند إلى الولايات المتحدة إلى الجزيرة العربية بالماء والمطر والأعاصير، ثم أصيب العالم بالهلع مرة أخرى عندما انتشرت أخبار انتشار مرض الايدز .

ومن ثم أنفلونزا الطيور ثم أنفلونزا الخنازير الذي جاء هذه المرة من المكسيك، ودفعت العديد من الدول ملايين الدولارات لشراء مصل هذا المرض، إلى أن اكتشف العالم بأن الإشاعات الإعلامية التي صاحبت هذا المرض مفتعلة، ولكن متى؟

بعد أن امتلأت جيوب شركات صناعات الأدوية الغربية وخاصة الأميركية بمليارات الدولارات وأصلحت من أوضاعها المتردية. وأكد العديد من الأطباء فيما بعد بأن ضحايا هذا المرض سنويا يقل بكثير عن ضحايا الأنفلونزا الموسمية! وبكت الكثير من الدول ومن بينها فرنسا على ملياراتها التي دفعتها ثمنا لشراء هذا المصل والذي بقي حبيس المخازن لحين انتهاء فترة صلاحيته.

غير أنها تداركت الوضع وألغت نصف طلبيتها من هذا المصل لتوفر على خزينة الدولة ما قيمته نصف مليار دولار أميركي. وحيث ان فرنسا لا تتقبل خسارتها بروح رياضية، فقد قررت بيع جزء مما تبقى في مخازنها إلى دول أخرى، منها مثلا قطر التي اشترت 000, 300 جرعة. وهناك دول أخرى من العالم الثالث أيضا تقدمت بطلب شراء هذه الأمصال غير المرغوب فيها لتتخلص منها فرنسا بعد أن تورطت في شرائها.

بمعنى آخر، هناك سياسات ومخططات اقتصادية ومالية واستخباراتية تتلاعب بمصير شعوب العالم ونفسياته وتضحك على ذقونهم. ولا نستطيع أن نجزم على مصدر إثارة هذه الشائعات ومن يقف وراءها بالتحديد. بالرغم من أن أصابع الاتهام تتجه دائما نحو الدول الصناعية المستفيدة ماديا وتجاريا وأحيانا (انتخابيا) منها، إلا أن اللوم الأكبر يقع على من يصدق ما يكتب وما يشاع.

اليوم خرجت لنا ظاهرة جديدة. ظاهرة الرسائل والطرود المفخخة. خرجت من اليمن، وانتقلت إلى اليونان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والبقية تأتي. وكل ذلك حدث في ظرف يوم أو يومين. ولم يكن ذلك محض صدفة بين مجموعات إرهابية غير متفقة على التوقيت. وإنما هناك من يقف بكل تأكيد وراء كل حدث كبير أو صغير يثير في المجتمع هلعا ورعبا ودمارا.

ومما لا شك فيه، فإن حكومات الدول الغربية على اطلاع تام بكل صغيرة وكبيرة تحدث في العالم، ولا يغيب عن مخبريها ؟ إن لم يكونوا هم مدبروها - مثل هذه المؤامرات الإرهابية التافهة الحجم مقارنة بمؤامرات تدمير وتمزيق دول كأفغانستان والعراق ولبنان والسودان، والآن الدور على اليمن بغرض السيطرة عليه. ومع ذلك، يجتمع زعماء الدول الغربية وكأنهم بالفعل يواجهون خطرا في كل مرة مختلفا.

فبعد أقل من أسبوع على تلك الظاهرة، أعلنت المفوضية الأوروبية عزمها عقد اجتماع خبراء في مجال الأمن الجوي والمتفجرات في مدينة بروكسل. الغريب في الأمر أن هذه الظاهرة تزامنت مع سخونة المنافسة على انتخابات نصف الكونغرس الأميركي ومع تورط فرنسا في احتكاك مباشر مع القاعدة وتهديدات ابن لادن.

والأغرب من ذلك تلك القصة التي تفبركت حول إرسال تلك الطرود من اليمن إلى الولايات المتحدة الأميركية. فهل يعقل أن تذهب طالبة جامعية يمنية تدرس الهندسة إلى شركة (يو بي أس) في العاصمة اليمنية صنعاء لإرسال طرد عبارة عن آلة تصوير مفخخة بالمتفجرات إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أن تقوم بملء كامل الأوراق اللازمة تنسى أو تتناسى بطاقة هويتها لدى الشركة، ويخلى سبيلها بعد يومين؟

ثم نتساءل، يا ترى هل يعقل أن ترسل آلة تصوير من دولة كاليمن إلى الولايات المتحدة الأميركية وبالتحديد إلى معبد يهودي؟ ثم لماذا لم تقم المجموعة الإرهابية بتفجير هذه الطرود بمجرد اكتشاف أمرها؟ وهناك العديد من التساؤلات حول ظروف وتوقيت مثل هذه الأعمال التخريبية. وكيف يقع تنظيم القاعدة في مثل هذه الهفوات الصغيرة؟

ولا نعرف كيف انتقلت العدوى إلى اليونان؟ وليس أسبانيا، على سبيل المثال؟ غير أنه باختصار شديد، فإن تلك الطرود سواء كانت مرسلة من اليونان أو من اليمن سوف تقع في النهاية على رأس الإرهاب الذي تم ربطه رغما عنا بالإسلام. والمسلمون هم في النهاية من سيدفعون فواتير هذه الفوضى.

وبالتالي فهناك عدة جهات مستفيدة من مثل هذه العمليات غير الواضحة المعالم، سوى ما نقرأه في الصحف وما تمليه علينا المؤتمرات الصحفية التي تنظمها دول العالم الأول، التي لا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها.

عالمنا يعيش فوضى لا مثيل لها في تاريخ البشرية. وهي فوضى نتجت عن صدام ليس بين الحضارات وإنما بين الدول الغنية والفقيرة، أي أنه صراع اقتصادي بحت استغلت فيه الحضارات عن سوء نية. فالأولى، الغنية، لا تتردد في توسيع أسواقها الاستهلاكية في العالم واستغلال الموارد الطبيعية لتلك الدول الفقيرة واستعمارها باسم حماية مصالحها الاستراتجية. والأخرى، الفقيرة، ليس لها حول ولا قوة.

فلا هي قادرة على حماية نفسها ورد الهجوم الشرس الذي تمارسه الدول الغنية عليها، ولا الاعتماد على نفسها. وتحولت بالتالي مسرحا للعمليات الإرهابية والتجارب البشرية وتصفية الحسابات الشخصية ونجاح حزب على حساب حزب آخر وارتفاع سعر اليورو وهبوط سعر الدولار. إنها مسائل مدروسة بشكل دقيق للغاية. والشاطر من يكسب في نهاية المطاف.

بعد فترة قصيرة، سوف تزول ظاهرة الطرود المفخخة. وتبرز ظاهرة أخرى جديدة تولد فجأة وتختفي كما ولدت. وكما ربحت مصانع منتجات مصل أنفلونزا الخنازير المليارات من الدولارات في غضون أشهر، سوف تربح مؤسسات وشركات الأمن والتحري في العالم أكثر من ذلك. إنه عالم السلاح والتسلح.