عمان - محمد أبو رمان110518b.jpg

تعزّز المعلومات الأولية عن شخصية المشتبه الباكستاني، فيصل شاه زاد، في محاولة التفجير الفاشلة في نيويورك، المؤشرات الأولية على ملامح الجيل الثالث الجديد من laquo;القاعدةraquo;.

شاه زاد، من أصول باكستانية، ليس لديه سجل سابق مع الجماعات الإسلامية أو على laquo;قوائم الإرهابraquo; الأميركية، وهو من طبقة ميسورة الحال، يحمل الجنسية الأميركية، هي مواصفات مريحة اجتماعياً واقتصادياً، لكنّها تكاد تمثّل قاسماً مشتركاً بين العمليات (أو المحاولات) الأكثر خطورة التي قامت بها laquo;القاعدةraquo; أو إحدى أخواتها أخيراً.

نموذج شاه زاد يذكّرنا بأمثلة أخرى، نضال حسن الضابط - الطبيب في الجيش الأميركي الذي قتل مجموعة من العسكريين في قاعدة عسكرية في تكساس، وبالطبيب همام البلوي، الأردني، الذي قام بتفجير خوست في نهاية السنة الماضية، مما أدّى إلى قتل عدد من موظفي وكالة الاستخبارات الأميركية، وكذلك عمر الفاروق الذي حاول تفجير الطائرة المتجهة إلى ديترويت، لكن المحاولة فشلت في اللحظات الأخيرة.

ميزة الجيل الثالث تتمثل في أنّه ينتمي الى مرحلة تحول laquo;القاعدةraquo; من تنظيم إلى رسالة سياسية وإعلامية (بعد الحرب الأفغانية وتشتت قادة التنظيم المركزي، وتواريهم بصورة تامة عن الأنظار)، تعتمد بصورة أساسية على شبكة الانترنت، والمنتديات الجهادية، والتعبئة النفسية التي تتم خلالها، بل وحتى في أحيان على بناء العقلية الأمنية والفنية لمن يؤمنون بهذا الخطاب والفكر.

الاعتماد على شبكة الانترنت بدرجة رئيسة ووسائل الإعلام بدرجة ثانوية، دفع بالمبادرة والتفكير والتخطيط إلى المجموعات المنتشرة في العديد من دول العالم وحتى الأفراد ليتولوا هم مسؤولية القيام بالأعمال والعمليات، وجعل من laquo;القاعدةraquo; بمثابة laquo;ماركة مسجّلةraquo;، تضع علامتها وبصمتها على من يدين بولائه وأفكاره وعملياته لها ولأهدافها السياسية المعلنة.

الحرب الأمنية شديدة التعقيد التي تخوضها laquo;القاعدةraquo; وأخواتها مع أكفأ الأجهزة الأمنية في العالم، ومع عشرات الدول، والتشديدات والملاحقات الأمنية ومواجهة وسائل في غاية التطوّر، أدى بدوره إلى مزاوجة laquo;القاعدةraquo; بين العمليات المعقدة التي تتطلب إعداداً وتخطيطاً دقيقين، كما حصل في أحداث مومباي قبل قرابة سنتين، وبين الاعتماد على أساليب شديدة البساطة والسهولة، بلا تعقيدات، لكنّ نجاحها يأتي بنتائج مدمّرة.

وتتميز ظاهرة laquo;الجهاد الفرديraquo; بأنها لا تخضع للتنميط وأعضاؤها يتحدرون من خلفيات اجتماعية متنوعة غير مهمشة اقتصادياً، ولا تتوافر لدى الأجهزة الإستخباراتية قاعدة معلومات خاصة بها، فأعضاؤها ربما يكونون خاملين في المجال الاجتماعي الواقعي وناشطين في العالم الافتراضي، ويتوافرون على قدرات علمية وتقنية عالية في مجال الاتصالات.

النموذج الجديد يشي، أيضاً، بسمات مختلفة للجيل الثالث من جهاديي laquo;القاعدةraquo;، إذ ينتمون إلى خلفيات متنوعة من دون قيادات فعلية، ويتعاملون مع قيادات رمزية على شبكة الإنترنت، ويفتح فضاء laquo;المنتديات الجهاديةraquo; على تشكل شخصيات وهمية وحركية بالمئات، وربما بالآلاف من مختلف بلاد العالم، تجمعهم رسالة سياسية واحدة وأيديولوجية متشابهة ويتناقلون الخبرة المكتسبة في laquo;معركتهم الكبرىraquo; بصورة فورية ودائمة عبر الانترنت.

ويشهد العالم الافتراضي ظهور موجات من القيادات الافتراضية، فقد اشتهر من الموجة الأولى من الجهاديين الافتراضيين عام 2002: أبو بكر الناجي وأبو عبيد القرشي ولويس عطية، ومن الموجة الثانية عام 2006: حسين بن محمود وعطية الله، ومن الموجة الثالثة عام 2009: عبدالرحمن الفقير ويمان مخضب وأسد الجهاد 2، وكان أبو دجانة الخرساني همام البلوي مرشحاً للدخول في هذه الحلقة.

ومن ميزات الجيل الثالث من الجهاديين الفرديين المبادرة والقدرة على التواصل من طريق الإنترنت، إذ لا يعتمدون على الطرق التقليدية للتجنيد، فقد حل الإنترنت مكان المساجد في عمليات التعبئة والمشاركة والتدريب والتجنيد.

النماذج التفسيرية لجهاديي المستقبل في العالم الافتراضي، الذي وفرته العولمة وثورة الاتصالات، تكشف عن تحول عميق في بنية laquo;القاعدةraquo; والسلفية الجهادية على صعيد الوعي الإيديولوجي والعمليات الحركية.

فـ laquo;الشهيد المفترضraquo; مكلف في العالم الافتراضي، ويصبح مسؤولاً عن العالم الواقعي باعتباره خيالياً، فالحياة الحقيقية هي الأخرى في الجنة، إذ سمح العالم الافتراضي الرقمي بطي المسافة بين الدنيا والآخرة.

العالم الافتراضي يعيد بناء الجهادي باعتباره كائناً أخلاقياً منشغلاً بأمانة التكليف، فالمقاصد والغايات تحرك الإستشهادي، والقيم والمعاني الرمزية وأسئلة النهايات تتحكم بالمصائر، إذ تؤشر عوالم الإستشهادي الى إعادة الاعتبار للمعنى الذي فقد بفعل العولمة وقيام آلهة السوق وافتتاح بيوت العبادة الاستهلاكية.

laquo;العنف الجهاديraquo; بهذا المعنى تمرد على العنف الملازم للعولمة بعنف مضاد يعمل إعادة الاعتبار للرمزي على المادي، فقد أحدثت العولمة برأسماليتها حالة من الفوضى والتشتت وهي البيئة التي تزدهر فيها laquo;القاعدةraquo;.

هنا، تحديداً، يحل مفهوم الأمة المتخيلة الافتراضية مكان الواقعية الضائعة، فالمكانة التي يحتلها الخيال تترجم في تجربة الموت/ الشهادة، والذي يكتسب صفة الموت المقدس من خلال انفصال ثلاثي الأبعاد بين الحياة والموت، والحاضر والمستقبل، والدنيا والآخرة.

أبناء الجيل الثالث من أتباع laquo;القاعدةraquo; يقومون عملياً بتأسيس حداثة إسلامية متعالية تعمل على الوصل بين الإنسان والإله، والعقل والوحي، والدنيا والآخرة، إذ يعمل هذا التصور على ضمان الديمومة بين الحياة والموت والعالم الافتراضي والواقعي. فالشعور بأن ثمة انفصالاً بين الحياة والموت يضعف بشدة، بحيث يخرج الخوف من الموت ويتلاشى من خلال مفهوم الشهادة.