احمد عياش

ما كتبه الاستاذ كريم بقرادوني عن عهد رئيس الجمهورية السابق اميل لحود وحمل كتابه عنوان quot;صدمة وصمودquot; لا يزال الوثيقة الأهم التي تؤرخ لتلك الحقبة وتستمر مفاعيلها الى يومنا هذا. وبالعودة الى هذا الكتاب ما يكفي لتبديد الغبار الذي يثيره ضجيج المواقف السياسية ولا سيما منها تلك التي تصدر عن رئيس تكتل quot;التغيير والاصلاحquot; النائب العماد ميشال عون.
في كتاب بقرادوني الذي يتحدث عن المبادرة التي رعاها الرئيس لحود ونظيره السوري بشار الاسد والامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصر الله لعودة العماد عون من منفاه الباريسي، ورد الآتي: quot;يسهر رئيس الجمهورية (لحود) بالتفاهم مع دمشق على اقفال كل الملفات والدعاوى القضائية المقامة ضد الجنرال عون ورفيقيه الجنرال عصام ابو جمرة والجنرال ادغار معلوف وسائر الضباط الموالين له، وتسديد التعويضات المستحقة لهم وحماية الأمن الشخصي للجنرال لدى عودته الى لبنانquot;.
لقد سبق ان نشر في هذه الزاوية كل ما ورد في هذه المبادرة من تعهدات التزمها عون تجاه لحود وسوريا وquot;حزب اللهquot; في مقابل عودته من دون اي مساءلة قضائية. واليوم من المفيد التذكير بهذه المبادرة في وقت عادت الى واجهة الاحداث الاموال العامة التي تصرف بها عون وظهرت وثائقها من جديد ليتبين ان براءة الذمة التي نالها الاخير جاءت عن طريق السياسة اولا قبل ان يلتحق القضاء آنذاك بهذه الطريق. حتى كتابة هذه السطور لم يعلن احد سواء بقرادوني او غيره من المعنيين ان لا صحة للمبادرة التي اعادت عون الى لبنان وعليه فان ذهاب الجنرال غدا الى القضاء لمقاضاة النائب عمار حوري على خلفية ما ابرزه من وثائق يقول انها تتضمن تفاصيل تصرف عون بالمال العام والمقدّر بنحو مئة مليون دولار اميركي يقتضي اعادة المبادرة الى الاضواء لمعرفة الحقيقة كاملة حول هذه الصفقة التي جعلت عون ليس حليفا موثوقاً به لـquot;حزب اللهquot; والنظام السوري فحسب، بل رأس حربة في مواجهة قوى 14 آذار التي اخرجت في الانتفاضة التاريخية عام 2005 الجيش السوري من لبنان ووضعت مشروع quot;حزب اللهquot; الذي انشأته وموّلته ايران ورعته وحمته دمشق تحت مجهر المصلحة الوطنية اللبنانية العليا من خلال الحوار المستمر والمهدد بالتوقف حول سلاح هذا الحزب.
لا احد يعلم ماذا كانت التعهدات التي التزمها عون امام ثالوث الاسد ndash; نص رالله ndash; لحود تتضمن بنودا سرية بينها اثارة النعرات المذهبية بين السنّة والشيعة وهي فتنة تكاد ان تجرف المسيحيين معها، كما يشاهد العالم نموذجها المروع في كنيسة سيدة النجاة في بغداد. علما ان ما قاله عون في جونيه اول من امس عن quot;السني الذي شتمنيquot; والذي quot;ليس لديه القضية التي عندنا وعند الشيعةquot; لم يسبق لأي شخص يعمل في الحقل العام ان تفوه به حتى في ذروة الحروب الاهلية والخارجية التي عصفت بلبنان. الا يستحق هذا الكلام احالته على المجلس العدلي الذي يريده عون وقوى 8 آذار ان يهتم بقضية quot;شهود الزورquot;؟ من يهدد السلم الاهلي اكثر: عون ام زهير الصديق وهسام هسام اللذان قال بقرادوني عنهما في كتابه quot;ان الاول سيناقض لاحقاً اقواله قبل ان يلجأ الى فرنسا، والثاني سيهرب الى دمشق ليعقد مؤتمراً صحافياً يتراجع فيه عن افادتهquot;؟
ان الحض المكشوف من عون على الفتنة يتقزم امام عملقة النداء الصادر عن اللقاء المسيحي التاريخي في بكركي. ففي النداء دعوة الى العمل مسلمين ومسيحيين على quot;تجاوز الحساسيات الطائفية والمذهبية التي انبعثت على نحو لم تشهده البلاد من قبل(...) من خلال عودتنا جميعاً الى الدولة وبشروط الدولة لا بشروط طائفة او حزبquot;. كما يتقزّم امام الموقف التاريخي لزعيم الاكثرية رئيس وزراء لبنان سعد الحريري الذي لا يترك مناسبة الا ويؤكد فيها التزامه المناصفة التامة بين المسلمين والمسيحيين مما يجعله زعيم الاعتدال في لبنان والمنطقة التي لن تجتاز حقول الموت الا بالاعتدال في مواجهة النافخين في بوق الفتنة على شاكلة ميشال عون.