محمد علي الهرفي

كنت ولازلت أعتقد أن إيران دولة مسلمة مجاورة لبلادنا العربية، وأن من حقها على العرب ومن حق العرب عليها أن يكون بينهما علاقات مميزة بحكم ما يجمع بينهما من روابط كثيرة لا يمكن فصلها مهما كانت الظروف...

ولكني أعرف في الوقت نفسه أن العلاقة بين إيران وبين بعض الدول العربية ليست جيدة، وأن هذا النوع من العلاقة هو الذي شجع أميركا على محاولة الضغط على هذه الدول لتكون إلى جانبها ضد إيران في أي مشروع عدواني قد تقدم به مستقبلاً في إيران...

وأعرف كذلك أن أميركا ومن ورائها إسرائيل تعملان بكل قوة لكي تقنعا بعض العرب أن عدوهم الحقيقي هو إيران وليس إسرائيل، وأن عليهم بالتالي أن يوجهوا كل جهودهم ناحية إيران، وأن يبتعدوا عن معاداة إسرائيل التي تقف إلى جانبهم ضد عدوهم إيران!!

الأميركان يعملون بكل قوة لتحقيق مصالحهم مهما كانت الوسائل المتبعة، ومصلحتهم هنا مع قضايا الصهاينة، ومادامت إيران تشكل تهديداً حقيقياً لليهود - بحسب قولهم - فإن المصلحة هنا في توجيه الجميع لعدو إسرائيل ومحاولة إضعافه...

لا تهمني هنا مواقف الأوروبيين تجاه إيران ومقاطعتها، ولا مواقف اللوبي اليهود ي والأميركان، ولكن الذي يهمني مواقف الدول العربية التي أرى أنها يجب أن تكون مغايرة لتلك المواقف رغم كل القرارات الدولية التي قامت على الظلم والاستبداد استجابة للضغوط الأميركية!

قد يقول البعض: لماذا لا نحترم هذه القرارات الأممية ونحن أعضاء في تلك الهيئات؟! وهذا سؤال وجيه لو أن الجميع يخدمون هذه القرارات! كم من قرار لم تقم له إسرائيل وزنا؟! وكم من قرار ضد أميركا من بعض تلك الهيئات هاجمته أميركا وانتقدته بشدة؟! فلماذا العرب وحدهم هم من يحترم تلك القرارات وهم يعرفون أنها ظالمة؟!

ولكن... أين دور إيران المطمئن للعرب لكي يقفوا معها؟! للأسف هناك مواقف إيرانية غير مفهومة ولا معقولة وما كان ينبغي للأخوة هناك أن يفعلوها!

الجزر الإماراتية لابد لها من حل جذري ولا يصح أن تبقى عقبة صعبة الحل، ووسيلة لابتعاد دول الخليج كلها عن إيران بسبب مواقفها من الجزر، وعندما تكون هناك نوايا طيبة فلن يكون الحل مستعصياً!

وتلك التصريحات التي يطلقها هذا المسئول الإيراني أو ذاك بين آونة وأخرى تجاه البحرين... صحيح أن الحكومة تنفي أنها مسئولة عن تلك الأقوال ولكن تكرارها يعطي انطباعاً سلبياً تجاهها...

السلاح النووي الإيراني يشكل معضلة للكثيرين، وأنا يهمني العرب وحدهم، ومع قناعتي أن من حق إيران أن تمتلك سلاحاً نوويا ليس للأغراض السلمية مادامت إسرائيل تملك السلاح نفسه إلا أن واجب إيران أن تفعل ما يطمئن العرب أن هذا السلاح لن يؤذيهم بأي صورة من الصور...

وفي هذا السياق فإن الخطوة التي قامت بها الدول العربية وغيرها في محاولة إجبار إسرائيل على الخضوع لتفتيش هيئة الطاقة الذرية عمل جليل يجب أن يتابعوه حتى يتحقق أسوة بما هو معمول به مع إيران...

والمفارقة هنا أن أميركا وبعض حلفائها يقفون ضد تفتيش المفاعلات النووية الإسرائيلية رغم علمهم أنها للأغراض العسكرية، ويقفون بكل قوة تجاه إيران!

الشيء المؤسف تعامل الحكومة الإيرانية بشكل سيئ وعنصري تجاه السنة في إيران مما يشكل هاجساً سيئاً من العرب تجاه إيران - فقد نشرت الصحف أكثر من مرة كيف تعامل إيران رعاياها السنة، وكيف تضيق عليهم في كل اتجاه...

زعيم الطائفة السنية في إيران مولي عبدالحميد منع أكثر من مرة من مغادرة إيران لحضور مؤتمرات يحضرها مسلمون من كل المذاهب!! والعجب أن إيران تحتضن مؤتمرات للتقارب بين المذاهب الإسلامية في الوقت الذي تمنع فيه رعاياها السنة من حضور مؤتمرات مشابهة خارج إيران!

وسنة إيران لا يجدون مسجداً يصلون فيه في طهران، وقد منعوا من بناء مسجد لهم رغم كثرة أعدادهم في العاصمة... والمستغرب أن تمنع إيران رعاياها من بناء مسجد بينما تسمح لغير المسلمين من بناء دور عبادة لهم!

قد يقول البعض: لماذا لا يصلون في المساجد المقامة فعلاً باعتبار المساجد لكل المسلمين... أقول: شخصياً أتمنى هذا ولكن الواقع المؤسف يقول شيئاً آخر! فالشيعة في كل أنحاء العالم لهم مساجد خاصة بهم ومادام هذا هو الواقع فلماذا تمنع إيران رعاياها من ممارسة عبادتهم؟!

هذه القضايا في غاية الأهمية، وهي التي تقرب بين إيران وبين جيرانها العرب، وهي التي تجعلهم لا يخضعون لأي ابتزاز من هنا وهناك...

من المهم أن تدرك إيران أنها إذا أرادت من العرب أن يقفوا معها ضد التهديدات الأميركية واليهودية أن تبتعد عن تأزيم العلاقات معهم بكل الوسائل...

إيران دولة إسلامية جارة لنا، تقوم بأدوار جيدة، وتقف مع قضايا العرب وخاصة مع إسرائيل، ومن مصلحة الجميع أن يضعوا أيديهم بأيدي البعض ليشكلوا قوة حقيقية تجاه الأطماع التي تهددهم جميعاً...