فيصل جلول

بخلاف الاعتقاد السائد، لم تتشكل المحكمة الدولية استجابة لمطالب اللبنانيين وإنما لرغبة مبكرة عبّر عنها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بحيث تكون أداة لإسقاط النظام السوري . وقد وضع خطة لهذه الغاية مع الرئيس جورج بوش في منزل السفير الأمريكي في بروكسل بعد أيام من اغتيال الرئيس الحريري . هذا على الأقل ما يرويه الصحفي الفرنسي فانسان نوزيل في كتابه الصادر حديثاً ldquo;في سر الرؤساءrdquo; . معلوم أن أحداً لم يكذب ما ورد في الكتاب الأمر الذي يعزز قوة هذه الرواية التي نختصرها من صفحات الكتاب الواقعة بين (461 467) وفي ما يلي التفاصيل المكثفة:

ldquo;انفجرت في 14 فبراير/شباط عام 2005 شاحنة بيضاء محملة بطن من المتفجرات في موكب الرئيس رفيق الحريري . أبلغ شيراك المصدوم نازك زوجة الحريري بالخبر . وقرر أن يذهب فوراً إلى بيروت لتقديم تعازيه . وفي العاصمة اللبنانية ldquo;دان هذه الجريمة الحقيرة التي كنا نظن أنها تنتمي إلى عصر آخرrdquo;، وبالنسبة إليه لا شك في هوية المسؤولين عن الجريمة أبداً ويجب البحث عنهم في دمشق .

وفي بيروت، كان السفير الأمريكي جيفري فيلتمان والفرنسي برنارد آمييه يجمعان على التورط السوري في هذه الجريمة على أعلى المستويات . وربما بالتواطؤ مع أجهزة الأمن اللبنانية أو من دونها .

وفي واشنطن كان بول ولوفيتز الشخصية الثانية في وزارة الدفاع يدعم هذه النظرية . وقد أكد لسفير فرنسا دافيد لافيت في 17 فبراير/شباط أنه لا يشك لحظة في دور سوريا في الجريمة التي قال إنها ldquo;مؤشر على الضعف والخوف الذي يعتري دمشقrdquo; .

وفي 21 فبراير التقى شيراك بجورج بوش في منزل السفير الأمريكي في بروكسل . وكانت الأولوية في اللقاء لحادثة الاغتيال ولضرب النظام السوري، ويمكن التحقق من هذا الهدف عبر ملاحظات شيراك الخاصة على وثيقة رسمية في حينه تقول ما يلي: ldquo; . . . يجب تشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد هوية الفاعلين والمسؤولينrdquo;، وعلى صفحة أخرى يكتب: ldquo; . . . إن إفشال النظام السوري في لبنان يصيب منه مقتلاًrdquo; . وقد بدأت هذه السيرورة ldquo;حين أكد شيراك في اللقاء مع بوش أن قرار الاغتيال اتخذه الرئيس بشار الأسد شخصياً . وأن كل فرضية أخرى لا معنى لهاrdquo; واقترح خطة لضرب النظام السوري محذراً ldquo; . . . يجب ألا نهاجم سوريا وجهاً لوجه حتى لا تحصل على التضامن العربي . يجب أن يكون هدفنا تحرير لبنان من السيطرة السوريةrdquo;، ويوافقه بوش تماماً ldquo;يجب ألا نواجه سوريا وجهاً لوجه يجب أن نمر عبر لبنانrdquo; .

ويسأل بوش كيف نصل إلى هذا الهدف؟ هنا يطرح شيراك الخطة التي أعدها منذ أيام ويقول ldquo;نحتاج إلى لجنة تحقيق دولية ويجب أن تكون قوية ومدعومة من المجتمع الدولي، لأن تدخلها في الشأن اللبناني يعين المعارضة (14 آذار) . هناك اليوم حركة شعبية كبيرة في بيروت ولكن قادتها يخشون من الاغتيال ومن ثم يجب ألا ندمج الملف اللبناني السوري بالسلام في الشرق الأوسط لأننا في هذه الحالة نخسر الشيعة الذي سيتقربون أكثر من الحكم في سورياrdquo; .

وتعهد بوش ldquo;سأوصل الرسالة إلى ldquo;الإسرائيليينrdquo;، ومن ثم يشدد الرئيس الفرنسي على أنه يجب طلب تنفيذ القرار 1559 فوراً لأنه سيكون قاتلاً للسوريين . ويتابع ldquo;إذا لم يطبق القرار يجب أن نقول إن الانتخابات اللبنانية الرئاسية ليست ديمقراطية وليست حرة ويجب أن نعود إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بفرض عقوبات . بل قبل ذلك يجب أن ندرس منذ الآن سبل العقوبات المباشرة وغير المباشرة على النظام السوريrdquo; . من جهتها دعت كوندوليزا رايس ناظر القرار 1559 تييري رود لارسن للاشتراك في هذه الخطة من دون أن يتدخل مباشرة في لجنة التحقيق الدولية . وفي السابع من إبريل/نيسان وافق مجلس الأمن على هذه الخطة وشكل لجنة تحقيق دولية حول اغتيال رفيق الحريري استجابة لرغبة الرئيس الفرنسي شيراك ومباركة الرئيس جورج بوش .

تنطوي هذه الرواية على مجموعة من الملاحظات، أولاها أن المحكمة الدولية أنشئت برغبة فرنسية - أمريكية لإسقاط النظام السوري وليس من أجل طلب العدالة، وإذ أخفقت في مهمتها تحولت بوصفها أداة لإسقاط المقاومة وهذه المرة برغبة أمريكية- ldquo;إسرائيليةrdquo; . وثانية الملاحظات أن هذه الشهادة ما كان لها أن تنشر إلا بعد عقود ضمن الوثائق السرية، ولعل نشرها المبكر ينطوي على رسالة من طرف فرنسي لا نعرف هويته يريد القول للبنانيين لا تسقطوا في فخ المحكمة فهي أنشئت للغرض المذكور وليس للعدالة . وثالثتها أن الشرعية الدولية كانت في حينه بيد جورج بوش وشيراك، وبالتالي ليست سوى خدعة وهي تنطلي على العرب وحدهم . وآخر الملاحظات أن اللبنانيين لن يكونوا أكثر من حطب في لعبة الأمم إن هم قرروا التصارع حول محكمة بهلوانية تفشل في إسقاط طرف خصم فتتحول لإسقاط آخر . ثم إن الرواية تفسر فشل اقتراح لجنة تحقيق عربية بمشاركة قضاة سعوديين عرضته نازك الحريري بعيد اغتيال زوجها على السيد حسن نصرالله . وأن لبنان ليس مجبراً على احترام شرعية دولية حوّلها أصحابها قبل غيرهم إلى مهزلة أممية موصوفة .