كمال علي الخرس

سيارة مفخخة بشحنة كبيرة من المتفجرات تنفجر بوسط سوق مكتظ بالمتسوقين فتحول الأجسام من رجل شاب أو امرأة أو طفل برئ الى أشلاء ممزقة، ورجل متنكر بلباس امرأة يدس نفسه بوسط أحد الجموع فيحيل بضغطة زر أو بجرة خيط الحشد البشري الى كومة مكدسة من الجثث.
قادة دول العالم، وزعماء دول كبرى، وآخرون من دول عربية وإقليمية يعقدون الاجتماعات المتتالية وعنوان اجتماعاتهم هو تجفيف منابع الإرهاب. ولكن تبقى هناك حلقة مفقودة لا تدركها أو تتجاهلها هذه الاجتماعات وهي معرفة ما هو حقيقة الشيء أو العمل الإرهابي، وتصنيف الأعمال وحتى الأفعال التي تعبر عنه، لأنه إذا تم معرفة الإرهاب وتشخيصه حينها يكون من الممكن العمل على تجفيف منابعه.
على مستوى الدول الكبرى، خصوصاً الغربية منها، فإن هناك خلطا بين أفعال قتلة متوحشين انتزعوا الرحمة من قلوبهم، وبين مجاهدون يدافعون عن أراضيهم وكراماتهم، وبجانب عملية الخلط هذه هناك سكوت عن إرهاب دول ذي عيار ثقيل مزود بالبارجات والصواريخ والغواصات، هذا الإرهاب المدجج بالسلاح أيضاً يقود إلى ردود أفعال أحدها إرهابي نذل وحقير، وآخر رد فعل طبيعي يدافع عن نفسه.
أما على مستوى الدول العربية فإن هناك أيضاً اجتماعات مستمرة بغرض تجفيف منابع الإرهاب، ولكن الدول العربية عند معالجتها لهذا الملف تقع في أخطاء أفحش من الدول الكبرى، فيكون لديها خلط بين ما هو إرهابي مجرم، وماهو تمرد مسلح، وما يعتبر اضطرابات احتجاجية من أجل مطالبات معاشية، تخرج أحياناً عن الشكل السلمي وتكسر القانون مثل الذي يحصل بين الحين والآخر في أوروبا وفي فرنسا بالذات، فتقوم الاجتماعات العربية بتصنيف هذه الممارسات المختلفة وتجمعها تحت بند الإرهاب. وحقيقة الأمر أنه لا يمكن معالجة المرض دون تشخيص دقيق وسليم، وذلك لمعرفة ما يحتاج إلى استئصال، أو إلى كي، أو إلى مسكن.
ان التعامل مع حالات مختلفة وحصرها جميعاً تحت بند الإرهاب يضيع الحقيقة ولا يساعد البتة على القضاء على الإرهاب الحقيقي الذي يروع الآمنين ويزعزع استقرار الدول، ولا يساعد أيضاً على السعي في طريق تجفيف منابع الإرهاب. بل على العكس، فالزج بممارسات مختلفة كالتمرد والاضطرابات الداخلية الاقتصادية والمعاشية ووضعها جميعاً تحت بند الإرهاب يمنح عن غير قصد غطاء أكبر للإرهاب الحقيقي ويترك له فسحة للتحرك ويوسع مجال المناورة لديه وذلك عند اشراكه ضمن قائمة لا ينتمي إليها.
خلاصة، لايمكن تجفيف منابع الإرهاب ما دام هذا المصطلح، أي الإرهاب، يستخدم حسب الحاجة دون تحديد وتوضيح لما هو ليس إرهابياً حتى يتم علاجه والتعامل معه بالطرق الأنسب، وبين ما هو إرهابي حقاً حتى يمكن حينها عزله وتجفيف منابعه ما أمكن ذلك.