علي سعد الموسى

حين احتاجت قضية عمل المرأة إلى هبة وتصد لغيرة محتسب استجابت له اللجنة في أربعة أيام، فإن ذات الغيرة على دماء الأبرياء لم ينهض لها أحد بالسؤال إلى اللجنة الدائمة للاستفتاء

احتاجت ظاهرة الإرهاب، فكراً وتمويلاً وقتلاً وتخريباً، إلى تسع سنوات ونصف السنة حتى خرج الإجماع على الفتوى بحرمة هذا الفكر. في المقابل احتاجت فتوى تحريم بعض عمل المرأة الصادرة أخيراً إلى مجرد ثلاثة أيام، إذ إن اللجنة استلمت سؤال المحتسب صباح السبت وصدرت الفتوى للعموم في مساء الثلاثاء من الأسبوع نفسه. وكي تخرج للنور بعيد الإجماع على التوقيع، احتاجت فتوى تحريم وتجريم الإرهاب إلى سقف ثلاثة أسابيع ما بين الاجتماع ومن ثم الإعلان، أما الفتوى بتحريم عمل المرأة الأخيرة. هذه المفارقة المدهشة في تباطؤ الزمن وتسارعه ما بين الوقت والطريقة التي تحتاجها ظاهرتان طارئتان في حاجة للفتوى تختصر دلائل من التفكير. تسع سنوات ونصف قبل الفتوى حول الإرهاب ومن ثم كانت الفتوى في دورة اجتماع دورية اعتيادية، وثلاثة أيام هي المسافة بين استقبال السؤال حول عمل المرأة ومن ثم صدور الفتوى.
وعوداً على بدء سأختصر بعض تفاصيل الدهشة: إذ بعيد عصر يوم فارط، من منتصف الصيف الماضي (لا أتذكر التاريخ بالضبط) اتصل بي مسؤول التحرير بالصحيفة، عارضاً وللمرة الأولى على الإطلاق أن أكتب غداً (يومها) حول الفتوى العليا من الأفاضل العلماء بتحريم وتجريم الإرهاب، مجادلاً أن هذه الفتوى تعتبر من الخطوات الجوهرية الأساسية في مفهوم الحرب على الإرهاب. والحق أنني كنت في بالغ الحيرة والذهول عن كل ما كان به يتحدث لأنني ظننته من الوهلة الأولى يحاول أن يسحبني للتعليق على موضوع مستطرق ومستهلك لأنني حسبت أنه يسحب من الأرشيف إجماع فتوى قديمة صدرت على الأقل صباح أول تفجير إرهابي محلي يعود إلى شهر مايو من عام 2003، وبالطبع أنا لا أتحدث عن الإرهاب الأول في عملية العليا قبل عقد ونصف من الزمن ولا عن تفجير المجمع السكني بالخبر، وهو غير بعيد عن ذلك التوقيت. فوجئت تماماً تماماً أن كل الحديث الوطني عن الإرهاب لم يتضمن حتى بداية صيف العام الجاري 2010 أي فتوى إجماعية من الهيئة الرسمية للإفتاء وفوجئت تماماً تماماً أن كل هذا الجهد الشامل من المواجهة الأمنية والفكرية والثقافية ومن كثافة حتى الخطاب الديني ضد الإرهاب اعتناقاً أو ممارسة أو دعماً فكرياً أو مادياً مجرد حديث متضخم في البالون الورقي الفراغي دون أن يكون كل هذا الجهد السياسي والاجتماعي والأمني وحتى الديني مدعوماً ومسنوداً بفتوى معلنة من هيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة للإفتاء. كنت حتى أعتقد أن القضية بصدور مثل هذه الفتوى محسومة لا تحتاج إلى اجتهاد للبحث وكنت أيضاً أجادل في دفاعي عن الموقفين الديني والسياسي للمملكة ضد الإرهاب بأن العلماء الكبار هم أول من أدان وحرم الظاهرة الإجرامية بتوقيع إجماعي رسمي. يومها قلت لمسؤول التحرير وقد تملكتني عقدة المفاجأة من أننا لما يقرب من العقد، أو لما يزيد عن عقد ونصف، نناضل في ساحة بلا فتوى حقيقية رسمية حول ظاهرة الإرهاب: سأكتب ولكن سيكون العنوان: فتوى الإرهاب بعد سنين عشر.
والمهم أن القصة برمتها تكمن في قراءة الزمن الذي استغرقه النهوض للتصدي لقضيتين ودعك من الأهم بينهما حين الحديث بالمقاربة والمقارنة. أثبت الزمن وتفاصيل الوقت أن عمل المرأة قضية خطرة ومستعجلة تفوق مقتل آلاف الأبرياء وتفوق أيضاً قضية تشويه هذا الدين العظيم. القصة الأخرى هي في الطريقة: فحين احتاجت قضية مثل عمل المرأة إلى هبة ونهضة وتصد لغيرة محتسب استجابت له اللجنة المكرمة في ظرف أربعة أيام، فإن ذات الغيرة على دماء الأبرياء من ضحايا الإرهاب ونفس الغيرة على تشويه صورة الإسلام والمسلمين لم ينهض لها أحد بالسؤال إلى اللجنة الدائمة للاستفتاء. ومن الواضح أن الإرهاب قد احتاج إلى عقد ونصف من الزمن الطويل وكل ذلك الزمن من الواضح أنه قد مر بلا غيرة وبلا أسئلة.