احتمالات السلام المستحيلة
ناصر الصِرامي
الجزيرة السعودية
هناك موقف عربي رسمي لم يتوقف عن إثبات جديته لصالح عملية السلام، وقدمت المبادرات المقنعة لعل أن يتحقق شيء لصالح الشعب الفلسطيني، وحتى لا يزيد الوضع سوءاً، ويستمر توظيفه من قبل أطراف لأجندتها السياسية، وتحقيق مكاسب شعبية وسياسية سهلة، لفكرة المقاومة والمواجهة، في منطقة ملتهبة ومربكة.
أمريكا راعية السلام في المنطقة والحاملة لملفه لعقود، ظل سلام الشرق الأوسط حاضراً في أجندتها، ودائماً على طاولة الرئيس، وهي مهتمة بالسلام كونها صاحبة علاقات ومصالح في المنطقة تبدأ من إسرائيل وتنتهي بين تقاطعات الدول العربية.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل مغادرته إندونيسيا ألقى خطاباً قال فيه: (عقبات كبيرة) ما زالت قائمة أمام التوصل إلى السلام في الشرق الأوسط، مؤكداً عزمه (القيام بكل ما يمكنه) من أجل التوصل إلى السلام.
ورغم أن جهود إدارته فشلت في تحقيق أي تقدم إلى الساعة، إلا أنه أكد أن حكومته ستستمر في بذل المساعي لتحقيق السلام لكن دون وعود.
هذا الكلام السياسي قد يكون متدولاً بأشكال مكررة، لكن ما يهم هو الواقع الحقيقي، كما يجب أن نراه لا كما نتمناه.
والواقع في إسرائيل ليس مع السلام، على الأقل بشكل واضح في هذه المرحلة، ومع هذه الحكومة.
وفي الجانب العربي، على الرغم من أن القرار السياسي العام مع السلام ومبادراته، إلا أن الوضع الشعبي ليس مسانداً أبداً لفكرة مثل هذه، وبنظرة للدول التي لديها علاقات دبلوماسية أو تجارية مع إسرائيل منذ عقود عدة، ما زال شارعها غير مهتم بهذا النوع من العلاقة، بل وبصورة أدق معادياً لها، وغير قابل لوجودها، وفقاً للخطاب الإعلامي والفكري والديني.
إن أي اتفاق سلام مع إسرائيل لن يكون مقبولاً شعبياً، لأن تجربة الدول التي وقعت معاهدات قديمة مع إسرائيل ولديها علاقات دبلوماسية، وتشاركها حدود جغرافية، غير مشجعة، ولم تنجح في تقديم مشروع حقيقي تثقيفياً لشعوبها حول قناعتها بالسلام وعوائده، وفشلت في تسويق برنامجها للرأي العام، ولو بدأت منذ عقود وتوجهت إلى جيل جديد حينها، لأصبح عندها جيل لديه قناعات متفاوتة على الأقل حول السلام، وإمكانية التعايش مع الواقع جديد.
فالقرار السياسي لم يكن وحده قادراً على تحقيق الأمنيات، ولن يتحقق السلام إلا بوعي به، يمر عبر أجيال، وهو ما يعني أن الدول العربية ذات العلاقة، لو تبنت برامج تثقيفية ودينية واجتماعية مبرمجة لتهيئة أرض سلام عربية، فهذا سيتطلب 40 سنة على الأقل حتى تتقلص نسبة الأغلبية الشعبية الممانعة له، أو تجد فكرة شعبية مقابلة لها.
السعودية.. نحو نفوذ أوسع
علي الظفيري
العرب القطرية
ما لا يدخل عبر الباب، يجد طريقه من النافذة، وعالم اليوم هو عالم النوافذ بامتياز، سقطت كل الأبواب الحكومية، لم يبق سوى الواقفين على تلك الأبواب برسم الحراسة، هؤلاء الواهمون دون عمل، فالرياح تعرف جيدا كيف تتسرب إلى مقاصدها، انتهى عهد القنوات الرسمية للأشياء، باتت القدرة الإيجابية على التأثر والتأثير هي المحك الحقيقي للمجتمعات الحية، والمجتمع المنيع القوي ليس ذلك المجتمع المنغلق على ذاته والحاضن لكل عقد النقص، ولا المجتمع الذي تؤذيه النسمات العابرة، بل المجتمع القادر على تفجير الطاقات الكامنة بداخله، وتوظيفها بالشكل الصحيح والملائم، وهذه معادلة تنسحب على الحكومات والدول، والدولة العربية أحوج ما تكون إليها في أيامنا هذه.
لم تكن السعودية بحاجة إلى سياسة خارجية فعالة ومؤثرة كحاجتها لها اليوم، فالتدافع الحاصل في المنطقة بعد غزو العراق غير مسبوق أبداً، وما كان ضروريا في السابق من أجل حفظ التوازنات والإبقاء على مساحة من النفوذ والتأثير، أصبح حاجة ماسة للبقاء هذه الأيام. قبل احتلال العراق كانت الصراعات محلية الطابع وداخل الإطار العربي، صراعات حول الأيديولوجيا والشعارات المرفوعة والقدرة على صد الهجمات المتبادلة والمحدودة بين الفرقاء العرب، لكنها تحولت إلى صراع إقليمي كبير قادر على تغيير شكل الحدود المرسومة التي خلفها المستعمر بعد خروجه، والسبب الذي يجعل السعودية بحاجة ماسة إلى تلك القوة السياسية المؤثرة في المنطقة، أنها البلد الكبير المعني بكل ما يجري على الساحة والأكثر تأهيلا للقيام بأدوار متشعبة ومهمة، مصر خرجت من الملعب منذ أن أخطأت في أصلٍ سياسي لا يقبل الخطأ، فالسياسة هي القدرة على تمييز الأصدقاء من الأعداء!
إذا كانت الوحشية التي ميزت السياسة الأميركية بعد أحداث سبتمبر منعت احتمالية أي موقف مضاد ومختلف، فإن الأمور اختلفت كثيرا اليوم، والولايات المتحدة بعد سنوات من الإنهاك السياسي والعسكري في المنطقة يمكن الاختلاف معها كثيرا، والاختلاف مع الأميركيين ليس هدفا بحد ذاته، بقدر ما هو وسيلة لتحقيق الهدف الأكبر والأهم المتمثل بالمصلحة وتجلياتها من استقرار داخلي وخارجي، وإذا كان هناك ما يضطر إلى التحالف الوثيق مع القوى العظمى، فإن ثمة ما هو أكثر إلحاحا للابتعاد عنها قليلا -أو كثيراً- وربما الاقتراب من نقيضها في المنطقة، ولا يفوتنا هنا سياسة الانقلاب التركية التي أوجدت مساحة لتحرك سياسي لافت أنتج دورا ونفوذا تركيا فعالا في ظرف سنوات معدودة، لقد أتقنت تركيا التمييز بين ما هو صديق وما هو عدو، أطلق ثعلبها السياسي أحمد داود أوغلو نظرية laquo;صفر مشاكلraquo;، واستطاعت بعدها البلاد التحرك بفاعلية ومرونة أكبر في المنطقة، وأصبحنا نجد القهوة التركية طيبة المذاق على كل طاولة تفاوض في المنطقة، وهي باهظة الثمن لمن لا يعلم ذلك!
هناك حقيقة يجب أن لا تغيب عن أذهاننا، كلما أزحنا عن طريقنا laquo;عدوا متوهماraquo; في الماضي، قابلنا آخر أشد وأقسى، علينا إذاً أن نراجع قائمة الأعداء من جديد!
لقد أثقلت ملفات عدة كاهل الخارجية السعودية، الانقسام الفلسطيني والتناحر في لبنان والتقاتل على العراق، واليمن جرّنا لحرب طاحنة مع الحوثيين، ومع كل الجهد المبذول سعوديا -وهو جهد مستحق- إلا أن الرياح لا تسير في الاتجاهات المطلوبة، الإيرانيون كسبوا في العراق، والسوريون ربحوا لبنان من جديد، وجبهة اليمن لم تهدأ كما يجب، وفي فلسطين خرب الأميركيون والمصريون ومحمد دحلان الجهد السعودي، كما أن الأميركيين تمتد أياديهم من تحت الطاولة كثيرا، وهناك دائما أيادٍ إيرانية بالانتظار!، ربما كان من الجيد التقاطها قبل الآخرين.
إن كانت السياسة هي فن الممكن، فهذا الممكن متاح أمامنا وبقوة، ويمكن إحداث انقلابات كبيرة في معادلات القوة والنفوذ لو توفرت الإرادة، والسياسة هي القدرة الحقيقية على تمييز الأعداء الحقيقيين، وربما كنا بحاجة لمراجعة هذه القائمة جيدا وبتدقيق كبير، وغير ذلك، السياسة في نظري هي القدرة على التخيل، وهذه الطاقة لو استطعنا تفعيلها على النحو الصحيح، لرأينا الصورة تختلف تماماً عما هي عليه الآن، إن إلغاء الحدود الفاصلة بين مفهوم -الممانعة والاعتدال- الأميركي، يمكن أن يثير خيالاتنا بشكل إيجابي، ويمنحنا القدرة على انتزاع موقعنا الملائم في خارطة جديدة ترتسم ملامحها يوما بعد يوم على أرض الواقع العربي، وهذا ما لا يتأتى بالسياسة الخارجية فقط، تحتاج الأمور إلى قوة دفع داخلية تزيد من الانطلاقة.