قاسم حسين

يقف لبنان على مفترق طرق، بعد الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله، حيث ينذر الوضع بانفجارٍ وشيك.

الخطاب كان طويلاً، وكان نصرالله متبسّطاً وهادئاً في عرضه، وغائصاً في التفاصيل، رغم ما أطلقه من موقفٍ حاسمٍ بقطع أية يدٍ تمتد لتطال أي مجاهد أو قيادي في المقاومة التي قاتلت عشرين عاماً حتى حرّرت لبنان من الاحتلال وطردت الغزاة.

هذا الموقف الحاسم اختار نصرالله أن يطلقه في مناسبةٍ تمثّل شيئاً كبيراً في مشواره النضالي الطويل، المعمّد بالدم والتضحيات. وهو خطابٌ يعكس ما بلغه من يأس في حسن تصرف الطبقة السياسية الحاكمة، التي تتعامل باستخفافٍ غريبٍ مع موضوعٍ يرقص عليه الإسرائيليون طرباً، وهو إشاعة الفتنة وتفجير الوضع اللبناني من الداخل، بتوريط المقاومة بدمٍ سفكوه، وحقٍّ أضاعوه.

الملاحظ في خطابات نصرالله الأخيرة ميله في مواجهة مشروع الفتنة إلى عرض حججه ودفاعه بمختلف الطرق، حتى اضطر قبل أسابيع إلى الكشف عن أحد أسرار المقاومة العسكرية، ببث الصور الخاصة بعملية laquo;أنصاريةraquo;، كل ذلك ليفتح ثغرةً في حائط الدخان السميك الذي أقيم للتغطية على جريمة اغتيال الحريري. والغريب للمتابع الخارجي كيف أن laquo;إسرائيلraquo;، (صاحبة المصلحة الأكبر في كل ما جرى)، تُستَبعد تماماً لدى عددٍ من اللبنانيين كفرضية، رغم تاريخها الدموي الطويل في لبنان، من عمليات قتل وتفجير واحتلال واستهداف (من بينها عباس الموسوي سلف نصرالله الذي قضى بتفجيرٍ مماثل للحريري)... فضلاً عن تجنيد تلك الأعداد الكثيرة من المتعاونين مع laquo;إسرائيلraquo;.

طلاب العلوم الدينية يكرّرون دائماً أن laquo;من أشكل المشكلات توضيح الواضحاتraquo;، وهو ما توحي به خطابات نصرالله الأخيرة. وفي خطابه الخميس الماضي بمناسبة يوم الشهيد، احتاج إلى مقدماتٍ طويلةٍ لإثبات أن الولايات المتحدة لا تهتم بشعب لبنان، ولا تكترث بأي سني أو شيعي، أو مسلم أو عربي... مادام الأمر يتعلق ببقاء وأمن laquo;إسرائيلraquo;، تلك الأيقونة التي تحكم السياسة الأميركية في المنطقة منذ ستين عاماً.

هذه الحقيقة الواضحة كالشمس، يحتاج نصرالله ليقنع بها بعض مناوئيه، إلى الاستدلال برسالةٍ laquo;مفترضةraquo; لوزير الخارجية الأميركي الشهير باستخفافه بالعرب هنري كيسنجر، كتبها صحافي لبناني على لسانه رداً على سياسي لبناني تجرّأ وسأله عن دوره في تدمير لبنان، استناداً على معلومات استقاها من مسئولين لبنانيين بينهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية.

الرسالة laquo;الأدبيةraquo; تؤرّخ لجو العلاقات اللبنانية الأميركية منتصف 1976، ويعترف كاتبها بأن كل ما نقل عنها بشأن السياسة الأميركية صحيح مئة بالمئة. وقد نُشر الكثير من الكتب في العقود الأخيرة عن دور هذا الرجل في إشعال الحرب الأهلية في لبنان، وتحدّث محمد حسنين هيكل عن انتماءاته المزدوجة بين مسقط رأسه (ألمانيا) ومهجره (أميركا) ومهواه (إسرائيل).

في لبنان اليوم فريقان سياسيان يختصمون. فريقٌ ناضل عشرين عاماً، ودفع كلفة عالية حتى حرّر الأرض وطرد المحتل وأعاد الاعتبار للاستقلال والسيادة اللبنانية. وفريقٌ تعاون بعض أقطابه مع المحتل طوال عشرين عاماً، ومن نصّبته رئيساً كان يتفاخر بوجود علاقاتٍ حزبية قديمة مع laquo;إسرائيلraquo; منذ 1958. ويعود ابنه قبل أسابيع للتفاخر بهذه العلاقات التاريخية التي ترسّخت أكثر وقت حصار العاصمة بيروت، ليكونا من دعاة ثورة الأرز وحماة حمى الاستقلال