ظافر محمد العجمي
لقد قيل إنه يمكنك أن تعرف أجندة عمل وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت من مجرد النظر إلى دبوس الصدر الذي تضعه، ومن ذلك أنها كانت تهاجم سياسات صدام في التسعينيات بعنف شديد، مما دفع صحفاً عراقية لنشر قصيدة نعتتها فيها بالأفعى، فقررت وضع دبوس بشكل ثعبان بشكل دائم كلما كان الموضوع عن العراق.
لكن أولبرايت وضعت في فبراير 2010 كما نعتقد دبوساً بطرفين، الأول على شكل رأس زعيم طالبان، والثاني قاذف صواريخ باتريوت. حيث كانت على رأس الفريق الذي قام بمراجعة المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو، لكنها للأسف لم تضع دبوس صدر على شكل برميل نفط ولا على شكل جمل حتى نعرف في الخليج العربي أننا كنا ضمن خريطة القلق الأطلسي للعشر سنوات القادمة.
لقد كان محور الدفاع المضاد للصواريخ ومحور الانسحاب من أفغانستان بحلول عام 2014م هما أهم محاور الاستراتيجية الجديدة لحلف شمال الأطلسي، التي نوقشت 20 نوفمبر 2010م وإن كانت دول مجلس التعاون في ثنايا محاور أخرى نذكر منها:
1) محور الشراكات: حيث جاء أن الشراكات على اختلاف أنواعها ستتخذ مكانة مركزية في العمل اليومي، وأنه يتعين على الحلف توضيح علاقاته بالشركاء الأساسيين وتعميقها وإقامة شراكات جديدة متى كان ذلك مناسبا وتوسيع نطاق نشاطاتها وفهم حقيقة أنه يتعين التعامل مع كل شريك وكل شراكة وفقاً للشروط التي تناسبها. وهنا نتساءل: كيف يتفق هذا الخطاب مع اختراع الحلف لمبادرة اسطنبول والتعامل مع دول مجلس التعاون كل دولة على انفراد بنظام laquo;28+1raquo; مع أن هذا لا يناسبنا.
2) محور الإرهاب: وقد تحدثت الاستراتيجية عن ضرورة تطوير الحلف إلى القدرة على تفادي ورصد الهجمات من قبل المجموعات الإرهابية أو المتطرفة، وإلى شراكة أكثر فاعلية ومرونة إذا فشلت قوات التحالف في دحر الإرهاب والقضاء على الفوضى في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، واعتبرت أن هذه المناطق تشكل أكبر خطر مباشر وجسيم على أمن جانبي الأطلسي، وطالبت بمنع وقوع أية هجمات وضمان أن لا تتحول هذه المناطق من جديد إلى قاعدة للتهديدات. وفيما سبق تجاهل تام للجرح اليمني الآخذ بالتسمم بوتيرة تزداد باتجاهنا كلما تجاهل الغرب تنامي قوة القاعدة في جزيرة العرب.
3) محور أمن الطاقة: وفيه ضرورة تحقيق هدف حماية البنى التحتية للطاقة ومناطق العبور الحيوية وطرقها.
ومما يصيبنا بالحيرة أنه كان واضحاً لنا منذ زمن طويل اختلاف نظرة الناتو بشقه الأوروبي لقضية أمن الخليج عن نظرتها لمجمل قضية الشرق الأوسط، فقد كان التواجد الأوروبي التاريخي في الخليج أكثر وضوحا وافترضنا أن يكون أكثر قربا من قضاياه الأمنية. من ناحية أخرى تختلف نظرة الولايات المتحدة للتقرب الأوروبي من قضية الشرق الأوسط عن نظرتها لتقربه من قضايا أمن الخليج فهي تريد التفرد بالأولى، وترحب بتدخل الناتو في الثانية، لكن ذلك لم يكن دافعا لأن نكون في الاستراتيجية التي تم نشرها نهاية الأسبوع الماضي، بل إن هناك من يرى أن الولايات المتحدة ترى إمكانية فرض أمن الخليج، بينما يرى الأوروبيون استحالة إنهاء الصراعات، وأن الحل الممكن هو باحتوائها فقط.
وفي استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية 2010 (U.S. National Security Strategy) التي نشرت في النصف الأول من هذا العام وجدنا أن الخليج العربي كان حاضرا فيها بأسباب إيرانية، وفي استراتيجية الناتو 2020 كانت روسيا حاضرة فيها بأسباب إيرانية أيضا. فقد كانت روسيا تخشى نظام الدفاع الصاروخي، وتخشى تحول الحلف إلى شرطة عالمية laquo;global NATOraquo; تضر بمصالحها. وقد تحدثت استراتيجية الناتو عن دوافع بناء الدرع الصاروخية دون أن تشير إلى العدو المفترض، وكانت هناك خلافات بين أطراف عدة في هذا المحور فقد نجحت تركيا في أن تزيل اسم جمهورية إيران الإسلامية من خانة العدو المفترض، الذي تقام هذه الدرع لصده. وفي نفس السياق صرح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن بأن الناتو هو حلف نووي يسعى لجعل العالم منزوع السلاح النووي، ولا يقصد بهذا إلا منع إيران من تحقيق طموحها النووي العسكري. كما أن فرنسا وألمانيا ما زالتا في جدل حول دور الردع النووي والأنظمة المضادة للصواريخ في الدفاع الجماعي الذي يشكل أساس الحلف الأطلسي منذ 1949م، فباريس تصر على ضرورة وجود الردع النووي، فيما تصر برلين على ضرورة انخراط الحلف في عمليات نزع السلاح النووي. وستشكل laquo;NATO 2020raquo; النص المرجعي لنشاطات الحلف في السنوات العشر المقبلة، وقد تحول من خلالها من قوة دفاعية كما كان منذ قيامه إلى قوة للمهام الأمنية، لكنه لن يتردد في حماية مصالحه بمباركة قرارات مجلس الأمن وبدونها، وسوف يستخدم مبدأ (coalition of the willing) عند الحاجة في خرقه للشرعية الدولية مماثل لما قام به في البلقان 1993م وما قام به جورج بوش 2003م.
لقد انتهت قمة لشبونة 2010 على توافق وتناغم في المواقف، ولم تظهر قرارات خارج الإطار المعتاد. إلا في وضوح الرئيس الأميركي بضرورة إنعاش الحلف لحماية أوروبا من أي تهديد صاروخي بالتعاون مع روسيا، مما يعني أن العدو هو إيران، كما شاركه في ذلك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أعلن بكل وضوح أن خطر الصواريخ البالستية المحدق بأوروبا مصدره إيران.
لقد قيل إن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت قالت إن البروشات الماسية كانت شعار أجنداتها الدبلوماسية، فعندما قابلت حافظ الأسد ارتدت دبوساً على شكل أسد، وعرفات نحلة، وسعود الفيصل حصان، وحين سُئلت ماذا سترتدي لو قابلت الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد؟ ردت: حمامة ونسر.
فمن كان سيفترس الآخر؟
التعليقات