علي الظفيري

في غياب سؤال المواطنة المنشودة عن النقاشات الخليجية، يستطيع عقل الفرد أن يتصور ما يشاء، يمكن له القبول بأي محاولات مريضة لتلطيخ سمعة الآخر والإساءة إليه، يحدث هذا لأسباب كامنة تتعلق بالتمايز على صعيد الهوية ولكون هذا التمايز أساس المكاسب التي يحصل عليها الفرد في المجتمعات التي لا تقوم على أساس المساواة والعدالة بين مواطنيها.
شخصيا، لا أستطيع أن أفهم محاولات التفريق المذهبي بين المواطنين في دول الخليج سوى كعمل مقصود ومخطط له بعناية، ليس من قبل جهة واحدة بعينها، بل من شرائح عدة موزعة على كافة الجهات تستفيد بشكل كبير من إثارة هذا الخلاف وتكريسه بين أبناء المجتمع الواحد، بعض من هم في السلطة، إضافة للقيادات المذهبية على الجانبين، يستفيد بشكل كبير من هذه النزعات المتفلتة بين الحين والآخر، فلو غاب هذا الأمر لأصبح الحديث في أمور أخرى أكثر إلحاحا، وهو ما لا يريده كل من يقتات على اختلاف الناس وفرقتهم وتصادمهم مع بعض، وأسوأ فئة في كتيبة الفرقة المذهبية والطائفية تلك التي تتمسح بالقرن الأول من الهجرة وتتوسد التاريخ وتنهل من معين الماضي حسب ما تقتضي رغبتها في التأجيج، هذه التي تنظّر للفتنة والاقتتال والفرقة تقربا إلى الله حسب فهمها، ولا تفعل ذلك إلا بالتوافق مع رغبات ملحة لدى فئات أخرى تملك حق إشعال الفتن وإطفائها!
العلاقة بين الشيعة والسنة ليست علاقة قائمة على الاختلافات المذهبية، بمعنى أن المذهب ليس المحدد الوحيد للعلاقة، ويرجع هذا لأسباب عديدة، أولها وأهمها عدم وجود نظرة واحدة ثابتة ومتماسكة لدى طرف ضد الطرف الآخر، هل يمكن المساواة بين رجال مثل علي شريعتي ومحمد الكاتب وبين ياسر الحبيب على سبيل المثال، والحبيب ليس ذا قيمة أبدا لدى السواد الأعظم من الشيعة لكنه يمثل شريحة متطرفة في الطائفة، وصادف أن هذه الشريحة هي ما يتمنى بعض السنة أن يكون حال الشيعة عليه، لموافقة أهوائهم ولتأكيد تنبؤاتهم الواهمة فقط لا غير!
على الضفة الأخرى -لدينا ضفاف للأسف- لا توجد خارطة محددة للمواقف تجاه الشيعة، فمن الدكتور محمد الأحمري الذي يطرح رؤية واضحة ومحددة ومنطقية وعقلانية لفهم الشيعة والعلاقة معهم، وصولا إلى الشيخ ناصر العمر الذي رفض الوقوف ضد إسرائيل بحجة أن الشيعة وإيران على الطرف الآخر!
أمر آخر مهم في نظري، لماذا تختلف العلاقات السنية الشيعية حسب المنطقة أو البلد أو الأقاليم التي يتواجدون بها؟ هل الأمر في البحرين مماثل للسعودية أو الكويت أو العراق؟ صحيح أن هناك محاولات حثيثة لمواقف سنية وشيعية جامعة ضد بعض، تجري على الصعيد الإقليمي وبرعاية خارجية، لكن هذا لا ينفي الاختلافات الجذرية في العلاقة حسب كل إقليم أو بلد يتواجدون فيه، هذا ما يؤكد وجود عوامل اجتماعية ونفسية وسياسية تلعب دورا رئيسيا في تحديد سمات العلاقة بين الطائفتين، وهو ما لا يريد أحد النقاش في أهميته ومحاولة التأكيد فقط على الاختلافات الفقهية والعقدية وجعلها العنوان الرئيسي والمحدد الأول في العلاقة.
إذا كان ولا بد من الأسئلة، فلدينا أسئلة كثيرة في مجتمعاتنا تلح في الحضور، لماذا تستأثر منطقة بعينها بثرواتنا ومقدراتنا؟ ولماذا تستحوذ عائلة بعينها على البلاد ومن عليها؟ ولماذا تتحكم بنا رؤية دينية مذهبية ضيقة بعينها؟ ولماذا علينا أن نختلف ونتقاتل وقتما يريد غيرنا ونتصالح ونتحاور ساعة يشاؤون؟ ولماذا توضع لنا أجندة الأسئلة والقضايا الملحة دون أن يكون لنا دور في بنائها؟ وحتى يأتي وقت الإجابة على هذه الأسئلة سنصلي خلف إمام واحد ونلعن المتخلفين.
إن أهم القضايا التي يجب أن تتصدر اهتماماتنا هي قضية الوطن والمواطنة. علينا أن نُخضع كل اهتماماتنا نحو هذا البناء الجامع المانع، الذي تجب عليه المساواة بين أبنائه، لا بين أبناء الأوطان الأخرى!