أسعد حيدر

زيارة الرئيس سعد الحريري الى طهران، ليست من نوع الزيارات السهلة التي يمكن قراءتها فوراً دون دليل يفسر كل لقاء وكل كلمة على حدة. quot;الانقطاعquot; الذي حصل طوال السنوات الخمس الماضية، رفع منسوب الحذر المتبادل. غياب quot;الثقةquot;، فرض الانطلاق من الصفر تقريباً. الايرانيون استعانوا، بالماضي وعلاقاتهم الجيدة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، لبناء جسر للثقة مع الرئيس الابن سعد الحريري. أما الرئيس سعد الحريري فإنه ركز على المستقبل وبنائه لوصل ما انقطع. والمستقبل يقوم على بناء علاقات دولة مع دولة. الرئيس الحريري جاء الى طهران وهو يعرف جيداً، أن quot;ايران دولة كبرىquot;. والايرانيون على مختلف مستوياتهم، تعاملوا معه كرئيس حكومة وليس quot;رئيساً لتيارquot;. هذا الفهم المتبادل لموقع كل واحد على حدة فتح الأبواب نحو بناء صفحة جديدة من العلاقات، تقوم على quot;المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والتواصل الدائم بين المؤسسات والادارات المختصة بين البلدينquot;. حتى هذا لا يبدو أمراً من السهل تنفيذه، وخصوصاً أن quot;الهمومquot; تبدو quot;متعارضةquot; أحياناً بين البلدين. همّ لبنان الكبير والأساسي، كيفية quot;ضمان أمنه واستقرارهquot;، أما همّ طهران فهو كيفية الجمع بين quot;ما تريده الدولة خصوصاً وان هذا الهدف يعني كل دول المنطقة، فأمن المنطقة واستقرارها من أمنها واستقرارها، وما تقوم عليها سياستها في دعم quot;حزب اللهquot; والمقاومة، على quot;طريق إلغاء اسرائيلquot;. هذان الهدفان الايرانيان ليس سهلاً مزاوجتهما خصوصاً اذا كان أحدهما على حساب الآخر.
من القراءة العميقة لتاريخ العلاقات الايرانية ـ اللبنانية الحديثة، تظهر الصورة quot;فاقعةquot;. عام 1997 زار الرئيس الشهيد رفيق الحريري طهران. برنامج الزيارة تضمن جولة واسعة في متحف السجاد. وهو متحف يجسد هذه الصناعة التي يتجاور فيها الفن والاقتصاد بالمجتمع وبالعائلة الى درجة عدم الفصل بينها. في 2010، تضمنت زيارة الرئيس سعد الحريري جولة واسعة في المتحف العسكري الذي يجسد القوة والطموح للعب دور كبير في منطقة لا تستقر فيها المعادلات لكثرة المتغيرات. الجولتان تجسدان الانتقال الواضح بين مرحلتين. السجادة تعني في تلك المرحلة الاستقرار، في حين ان السلاح يعني عدم الاستقرار لأن لا شيء يفاجئ أكثر من قرقعة السلاح خصوصاً اذا جلجلت في الداخل. انتقال العلاقات من السجاد الى السلاح، يفسر الكثير من التعقيدات في العلاقات الايرانية اللبنانية. الايرانيون يرون ان السلاح يصنع المنعة، في حين أن المطلوب حالياً وفي مواجهة اسرائيل التي ما زالت تحتل أراضي لبنانية وتهدد سيادته، الجمع بين السجاد والسلاح في عملية تشكل العلاقات الايرانية اللبنانية. السجاد أيضاً يؤشر الى الهدوء والدفء والاستقرار والسلاح في هذه الحالة يحمي كل ذلك ولا يهدده.
quot;السيارةquot; التي أهديت الى الرئيس الحريري، لم تكن مجرد quot;هديةquot; عادية. بدت وكأنها دعوة ايرانية له للصعود بها والانطلاق في مساراتها. الحريري قبل quot;الهديةquot;، لكن من الواضح والايرانيون التقطوا ذلك بسرعة أنها لن تكون quot;سيارتهquot; للتنقل على مختلف الاتجاهات والمسارات التي يرى أنها تخدم لبنان وأمنه واستقراره. خصوصية الحالة اللبنانية تحول دون ذلك. رمزية quot;الهديةquot; واضحة أيضاً في ما تريده طهران فعلاً.
[ كيفية إلغاء مفاعيل القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية، من باب الحرص على لبنان والمقاومة. المسؤولون الايرانيون شددوا في كل مرة جرى السؤال فيها عن آلية التنفيذ المقترحة لحل هذه المشكلة ـ اللغم، انهم يعتمدون على quot;حكمة وحنكة الرئيس الحريريquot; علماً ان اليد الواحدة لا تصفق مهما كانت قوية وفاعلة، والسؤال ما هي وجهة طهران على هذا المسار؟
[ البحث في موقع لبنان القادر على فتح quot;كوّاتquot; في دائرة المقاطعة الدولية خصوصاً الغربية منها ضدها. بيروت المصرفية، وبيروت الجسر إلى العالم قادرة على لعب دور مهم جداً في ذلك، إلى درجة تحميلها ما لا تستطيع ان تفعله وهو ان تأخذ دور دبي في العمليات التجارية بكل أنواعها. إذا كان quot;لبنان لن يكون جزءاً من منظومة دولية للضغط على الشعب الإيرانيquot;، فإنّه أيضاً لا يمكنه أن يكون طرفاً في مواجهة العالم خصوصاً واشنطن والاتحاد الأوروبي في زمن القرارات الدولية المقيدة للجميع.
[ ان يكون لبنان جزءاً من quot;منظومة اقتصاديةquot; قاعدتها موجودة حالياً والمشكّلة من سوريا والاردن والعراق وتركيا وإيران. وإذا كان ذلك ممكناً في قطاعات عدة مثل الكهرباء والسكة الحديد والغاز، فإنّ لبنان لا يمكنه مطلقاً أن يكون جزءاً من منظومة سياسية تضعه في مواجهة منظومة أخرى. في محاولة لتطويق كل ذلك فإنّ الإيرانيين يقولون إنّ منظومة الستة الاقتصادية التي يريدونها يمكنها أن تصبح مع منظومة دول الخليج اثنتي عشرة دولة، أي ستة وستة مكرر، فيتم التكامل لخدمة المنطقة التي يجب ان تحل مشاكلها وحدها دون تدخل الخارج. حتى يقع ذلك، ما زال أمام الجميع فترة زمنية طويلة مليئة بالاختبارات والجهود.
الاتفاقات التي وقّعت، في مجمع سعد آباد تؤشر بوضوح إلى رغبات الدولتين في بناء علاقات مؤسساتية، لكن تنفيذ هذه الاتفاقات هو الذي يشكل التوجه الحقيقي للمسار الذي ستدخله العلاقات، وهذا يتطلب بعض الوقت لاختيار ترجمة النوايا بالأفعال. لذلك ستكون فترة الاشهر الثلاثة الفاصلة على أبعد تقدير لاجتماع اللجنة المشتركة كافية. الرئيس الحريري أبدى حرصه الكبير على نجاح التجربة عندما اقترح أن يترأس اللجنة عن لبنان وان يكون نائب الرئيس الايراني رحيمي شريكه في الرئاسة، وقد لاقى الاقتراح ترحيباً إيرانياً خاصاً، لأنه يسرع التنفيذ.
خلال كل اللقاءات الايرانية اللبنانية، بلغ من quot;الحرارة الوجدانيةquot; التي أحاط بها الايرانيون الوفد اللبناني ان بعضه شعر بأن الايرانيين قد وضعوا بين أيديهم quot;الشمس والقمرquot;، مع العلم ان المطلوب وعود أقل وجهود أكبر لمواجهة الاستحقاقات القادمة، وفي مقدمتها العمل على نزع فتيل quot;لغمquot; القرار الظني. علماً ان الرئيس الحريري لم يطلب ولن يطلب أن تضغط أي قوة على أي طرف لبناني، وهو يضع لبنان دائماً حيث يجب أن يكون تحت quot;مظلتينquot; هما مظلة الحوار الوطني اللبناني ومظلة الرعاية السعودية السورية المشتركة والمستمرة للملف اللبنانيquot;.
لبنان quot;عروسquot; الشرق الأوسط. من الطبيعي أن يتزاحم الجميع لطلب quot;يدهاquot; والحصول عليها بالرضا وأحيانا بالإكراه. تستطيع هذه quot;العروسquot; كما ترى طهران ان ترفض من quot;يغازلهاquot; ولها الحق في مواجهة من يريد أخذها بالقوة، ولو بـquot;السكينquot;، أما بيروت فإنها تجمع بين حق quot;العروسquot; بالمواجهة والمقاومة بشرط ألا quot;تجرحquot; يدها بـquot;السكينquot;.
من سيقنع من على طريق بناء العلاقات المؤسساتية؟.