ياسر الزعاترة
منذ إعلان بعض الأحزاب الإسلامية عن إصرارها على استخدام شعار الإسلام هو الحل في الانتخابات البرلمانية وفرق التطرف العلماني العربي، فضلا عن بعض الإسلاميين السابقين الذين اهتدوا إلى طريق laquo;العقل والتنويرraquo; يحتجون على الشعار ويكيلون له الهجاء، وبالضرورة لأصحابه الذين laquo;يعجزون عن إدراك متغيرات الكونraquo;!! أغلب هؤلاء لا يفعلون ذلك حرصا على الإسلاميين، ولو كان الشعار محطة لإخراجهم من الساحة السياسية لتركوهم يتخبطون فيه، ونعلم أن كثيرا منهم يتمنون لو يستيقظون ذات صباح قريب فلا يجدون مئذنة ولا مصحفا ولا لحية ولا جلبابا في دنيا العرب، فضلا عن دنيا العجم، سواءً فعلوا ذلك حسدا من عند أنفسهم (وهم الغالبية)، أم فعلوه قناعة بأن تلك الشعارات هي سبب التخلف (وهم الأقلية). نقول ذلك لأن من يتحالفون مع الأنظمة الدكتاتورية ضد خيارات الجماهير لا يمكن أن يكونوا دعاة تنوير ولو أقسموا على ذلك أغلظ الأيمان (لا ندري بم سيقسمون). والحق أن حجم التراجع في الوسط الإسلامي عن تبني الشعار المذكور بات لافتا بالفعل، والسبب هو بعض الهزائم التي مني بها التيار الإسلامي، فضلا عن الإحباط في أوساط بعض قيادييه ممن لم يكونوا أهلا لتحمل المسؤولية في الأصل، ولا ننسى لوثة التجربة التركية التي أصابت بعض القوم، والتي تضع تجربة لها سياقاتها الخاصة كنموذج يحتذى في سائر الأحوال. من جهتهم يحتفي الغربيون بهذا الجدل حول شعار laquo;الإسلام هو الحلraquo; في الوسط الإسلامي على وجه التحديد، والسبب هو قناعتهم الراسخة بقدرتهم على دفع الحركات laquo;الراديكاليةraquo; وraquo;المؤدلجةraquo; بشتى ألوانها نحو تغيير بضاعتها الأيديولوجية بالتدريج، وهي نجحت إلى حد كبير في فرض بعض التراجعات على الإسلامية منها، فيما يعتقدون أن التراجع عن الشعار المذكور سيحدث ولو بعد حين. ليس من العيب أن تراجع الحركات السياسية والفكرية طروحاتها بين حين وآخر، لكن المراجعة لا ينبغي أن تشمل الأسس الرئيسة، وإن حدث فعليها أن تغادر المربع الذي هي فيه وتعلن أنها أصبحت شيئا آخر، وإلا فهل يعقل أن تقول حركة كانت تدعو إلى الاشتراكية أنها اكتشفت هراء تلك الاشتراكية، وأنها ستتبنى الرأسمالية، ثم تفعل ذلك بنفس الصيغة ونفس القادة والرموز أيضا؟! شعار الإسلام هو الحل هو محض شعار كبير لا يعني بحال من الأحوال أن أصحابه يعتقدون أنه عصا موسى التي ستلقف ما يأفك الغرب والشرق وتحيل الدنيا سمنا وعسلا خلال شهور. إنه أشبه بشعار الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا. ألا يقول قادته أن المسيحية هي المرجع الفكري والأخلاقي لألمانيا؟ بل وصل الحال بالمستشارة laquo;ميركيلraquo; حد القول إن التعددية الثقافية فشلت، وإن على المهاجرين أن يتبنوا الثقافة المسيحية لألمانيا؟! ما يقوله الإسلاميون ويجب أن يستمروا في قوله إذا أرادوا أن يحافظوا على قواعدهم وجمهورهم هو أن الإسلام مرجعيتنا في استنباط القوانين، ونحن لا نمثل الإسلام ولكننا مجتهدون ضمن دائرته، وهو ما يفعله أكثرهم على أية حال. ثم من قال إن الأحزاب الإسلامية على سبيل المثال قد قدَّموا للناس شعار الإسلام هو الحل فقط، ألم يتقدموا في أكثر من بلد عربي ببرنامج تفصيلي في سائر قضايا المجتمع؟ برنامج يستند إلى المرجعية الإسلامية، ولذلك صاغ بعض العلماء عبارة laquo;دولة مدنية بمرجعية إسلاميةraquo;. ولكن أين هم الذين يقرؤون البرامج؟! أردوغان بدوره لم يقل إن العدالة والتنمية حزب إسلامي، ولم يكمن سر نجاحه في التخلي عن الشعار الإسلامي، لأن جمهوره حتى الآن هو الجمهور الذي يؤمن بالشعارات الإسلامية ويعتقد أن صاحبه يناور لتجاوز عقبات العسكر، مع قلة من الآخرين الذين أعجبتهم إدارته للبلاد (نصف الناس تقريبا ليسوا معه إلى الآن بدليل نتائج الاستفتاء)، وعموما يعتقد كثيرون أنه لم يتخلَّ عن الشعار الإسلامي إلا لاعتقاده أن ظروف الداخل والخارج لا تسمح بتبنيه. وهنا نسأل: هل ثمة أنظمة عربية تسمح بفوز الإسلاميين أو حتى سواهم بغالبية مجلس النواب وتشكيل الحكومة على شاكلة تركيا حتى لو طالبوا بالعلمانية على الطريقة الفرنسية؟ الجواب هو لا كبيرة، ما يعني أن المطلوب هو أن يخلع الإسلاميون ثوابتهم دون أفق حقيقي، ولتكون النتيجة انفضاض الجماهير عنهم من دون الحصول على شيء مقابل. هذا بالضبط ما تريده الأنظمة وما يريده الغرب أيضاً، لاسيما أنه لن يجد أفضل من الأنظمة القائمة. الإسلام هو مرجع هذه الأمة في أخلاقها وسياستها واقتصادها، ومن أراد أن يطرح شيئا آخر، فليتفضل وليكسب الناس على أساسه، وإذا كان الإسلاميون مخطئون في شعارهم فلتكن الجماهير هي الحكم، أليست هذه هي الديمقراطية التي يتشدق بها أولئك ومن ورائهم الغرب الذي يعبد مصلحته، ومصلحته فقط؟!
التعليقات