محمد عبدالله محمد

في يوم الإثنين المنصرف وقبل أيام من بدء جولة جديدة من المباحثات بين طهران ودول 5 + 1 بشأن برنامج طهران النووي تَوجَّع الإيرانيون كثيراً. اغتِيل عالِمٌ نووي منهم وأستاذ للفيزياء بجامعة الشهيد بهشتي هو مجيد شهرياري وجُرِحَ عالِمٌ آخر يُدعَى فريدون عباسي، وهو عضو بمركز التحقيقات الاستراتيجية في وزارة الدفاع الإيرانية وعضو في الحرس الثوري، ومُحقّق مهم في مجال النيترون والليزر ورئيساً لقسم الفيزياء بجامعة الإمام الحسين بالحرس.

كيفية الاغتيال كانت كالتالي (حسب إفادة قائد شرطة طهران العميد حسين ساجدي نيا): دراجة نارية من نوع فولسار يقودها شخصان مرّت بجوار سيارة شهرياري فألصقت في هيكلها الخارجي عبوة ناسفة سريعة التفاعل والاندماج بالقرب من مقعد المُستَهدَف، وبعد ثوانٍ معدودات انفجرت العبوة اللاصقة الأمر الذي أدّى إلى مقتله على الفور نتيجة جروح مباشرة في الرأس ومنطقة الصّدر وحروق شديدة، كما جرحت في الانفجار زوجته وسائقه.

وَجَعُ الإيرانيين من تلك الحادثة يكمن في خسارتهم لواحد من أبرز علمائهم النووين الخُلَّص. وهو أيضاً واحد من أهم اثني عشر عالِماً نووياً إيرانياً يعملون في برنامجهم النووي الطموح والذي يسير بلا فرامل (كما شبَّهه بذلك الرئيس أحمدي نجاد من قبل). فشهرياري (بالإضافة إلى كونه باحثاً نووياً وخبيراً في استخدام الحفر والتنقيب عن النفط واستخدام التقنية النووية) هو باحث مرموق أيضاً في مشروع (سيزامي SESAME) المعنِي بإنشاء مصدر ضوئي laquo;سينكروترونraquo; على غرار مسرع الجزيئات الأوروبي العملاق CERN وعلاقته بالطب والصيدلة. كما أن شهرياري هو الرجل الثاني في المشروع المذكور داخل إيران ومندوبها فيه.

وربما خسارتهم (أي الإيرانيين) تزيد إذا ما تذكّروا أنهم فقدوا في الثاني عشر من يناير/ كانون الثاني الماضي عالِماً بارزاً هو مسعود علي محمّدي أستاذ الفيزياء النووية بجامعة طهران، والعضو الفاعل بالحرس الثوري، وهو يُشكّل محور العمل النووي الإيراني بعد البروفسور محسن فخري زادة (50 عاماً) مدير مركز تكنولوجيا الاستعداد بوزارة الدفاع والأستاذ بجامعة الإمام الحسين، وقبله اغتيال عالِم آخر بالسُّم في ظروف غامضة. ثم حادثة تهريب عالِم الفيزياء شهرام أميري، ثم ما أعلنته جماعة جند الله من خطفها للباحث في محطة أصفهان أمير حسين شيراني، وليس آخراً الهجوم بفايروس laquo;ستوكسنتraquo; على أجهزة الحاسوب المُثبَّتة في محطة بوشهر الكهروذرية والتي أضرّت بعمل أجهزة الطرد المركزي كما أفاد الرئيس أحمدي نجاد مؤخراً.

هذه الأحداث مُجتمعة تعيد عملية قراءة الملف النووي الإيراني برمّته. لأن هذا الملف ليس فنياً فقط، بل هو يسير على جوانح سياسية واقتصادية وأمنية حساسة أيضاً. فإذا كان الحديث في السابق يتركّز على ضربة عسكرية صهيونية / أميركية خاطفة لأهداف نووية إيرانية، ومن ثمّ تراجع هذا الخيار لصالح خيار التفاوض، فإن الأكيد أن أيّ خيار قد يقِف عليه خصوم إيران الغربيون (حتى في حالة التفاوض) لا يقف عند حدود العنوان، وإنما يمتدّ إلى عوامل مُساعِدة تُعضّد من موقف المتفاوضين، كما يفعل الإيرانيين أيضاً في ملفات إقليمية مهمّة.

في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومندوبها السابق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أكبر صالحي في تصريح لوكالة أنباء فارس القريبة من الحرس بأن laquo;دولاً غربية تجتذب الخبراء النوويين الإيرانيين في الخارج بتقديمها لهم عروضاً بتعليم أفضل أو وظائف خارج إيران. والناس الذين خُدعوا بذلك في السابق سربوا للأسف معلومات للخارج. لكن الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية تمكنت من اكتساب ثقة مهندسيها ومعالجة مخاوفهم، حتى يتمكنوا من مواصلة العمل في الوكالة من دون أية مخاوفraquo;.

هذا التصريح خطير جداً، ويُؤشّر على أن هناك فعلاً معارك تدور بين إيران وخصومها الغربيين تحت الأرض. وإذا ما تأكّد ذلك من خلال الأحداث الأخيرة، فإن الاختراق الأخير شكّل منعطفاً مهماً في ذلك الصراع. وربما كانت خسارة الإيرانيين فيه أكبر من العمل في هذا الملف لمدة خمسة أعوام. فاستهداف عقول المشروع الإيراني يعني القدرة على الوصول إلى البناء والنواة الصلبة فيه. بالرغم من الإيرانيين يُحيطون هؤلاء الأشخاص بمزيد من التكتّم والسّرية والإيهام باستخدام أسماء مستعارة حتى في الداخل الإيراني، وتغييرات في الملامح الشخصية والتي عادة ما تقوم بعكس طبيعة انتماء الأفراد، وطريقة تصرفاتهم سواء في الحرم الجامعي أم في برنامج عملهم اليومي، بين الطلاب أو في مؤسسات المجتمع الأخرى.

بالتأكيد، فإن الكَسْب في هذه الجولة لم يكن لطهران. وهي اليوم تدخل في مجال التفاوض مع الدول 5+ 1 مرة أخرى ولكن بإصابة غائرة وخسارة معنوية ليست بالقليلة، مثلما خسر غرماؤها من قبل فرص إعاقة عمليات التخصيب واجتراح أجهزة للتخصيب الصناعي. وربما إسراعها في ذلك المجال بين الفينة والأخرى، وطريقة تكثيرها لأجهزة الطرد المركزي، هو مسعى جاد من الإيرانيين للوصول إلى نقطة اللاعودة في ذلك البرنامج والتي ستُميّع لاحقاً أي أجراء غربي ضد برنامجها النووي حتى ولو كان بطريقة الضربة العسكرية المباشرة.