حمزة بن محمد السالم

الدعوة السلفية هي حركة تجديدية وتصحيحية لتطبيقات دين الله المنحرفة عن المنهج النبوي، ولم تكن قط بدعة نجدية ولا حكراً عليها، فقد تكفَّل بها ربنا على مر الدهور، يبعثها دهراً بعد دهر، على يد من يصطفيه من الأمة لتصحح انحرافات الطرق إلى طريقة محمد صلى الله عليه وسلم.. ولولا الدعوات السلفية عبر عصور الأمة الإسلامية لكنا نعيش اليوم ديناً غير الدين الذي نعرفه، ولا ينكر هذا إلا من سطح فكره أو ضعفت بصيرته أو ضحل إدراكه أو قلَّ شكره أو خبثت طويته، ولنا في انحراف الأديان الأخرى عبرةٌ ومثلٌ وشاهدٌ.

وكما أن الدعوة السلفية كانت عند غيرنا ابتداءً من الخليفة المتوكل في بغداد.. ومروراً بابن تيمية في بلاد الشام.. ثم أكرمنا الله أن انتهت نصرتها إلى الدولة السعودية.. وهي ستنقل إلى غيرنا كما جاءتنا إن لم نتعهد بناء صرح الدعوة بالتجديد والترميم والإصلاح.. والإصلاح والترميم والتجديد ضرورة سنية من سنن الكون التي لم تتعدها إرادة الله الشرعية، ولهذا بعث الله النبيين والمرسلين بالنبوات والأديان تجديداً وإحياءً لشرع الله، ومن أجل ذلك بعث الله المجددين رجالاً وملوكاً ودولاً في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

صرح الدعوة السلفية السعودية لم تتخطه إرادة الله الكونية، فحقت عليه السنن كغيره من الصروح، فهو بحاجة إلى تجديد وترميم وصيانة الآن، قبل أن يفوت الفوت فيصبح مجداً تاريخياً بعد أن كان مجداً حاضراً.

وكما أن لكل زمان رجاله.. فإن لكل عصر فكره وفلسفته الحياتية، ومهما كان عِظم أثر مجموع الحوادث والمستجدات والمتغيرات خلال 1400 عام في عمر الأمة الإسلامية، فإن الثلاثين عاماً المنصرمة قد جاءت بمحدثات ومعطيات جديدة مبتكرة تفوق أضعافاً مضاعفة عما جاءت به 1400 سنة مجتمعة، مما جعل الدعوة السلفية عندنا تتجمد ويهتز بناؤها ويتصدع مما يستوجب تدخلاً من خارج أعضائها المنتسبين إليها كرجال دين.

المؤسسة الدينية السلفية كغيرها من المؤسسات في العصر الحديث، تحتاج إلى مستشارين خارجيين ليسوا شرعيين يقودون لها الطريق ويرسمون لها الخطط ويعيدون لها صياغة الأمور ويكيفونها التكييف الشرعي الذي يتطابق مع حقيقة معطيات العصر الحديث.

الدعوة السلفية دعوة بسيطة قائمة على أن الإسلام دين أمة أمية بسيطة تتبع قول الله ورسوله، لذا فإن سبب فشل كل محاولة سابقة أو لاحقة لتجديد الدعوة السلفية مرده أنها محاولات تُقدم في قالب عقلي وليس في قالب شرعي، فترفضها العقلية السلفية لأنها تتخالف تماماً مع طريقة تفكيرهم التي هي أسلم وأعلم وأحكم.

العقلية السلفية لا تستطيع أن تنظر خارج ما رُبيت عليه، فقد رُبيت على الاتباع المطلق، أضف إلى ذلك خاصية سلفيتنا التي مسها مس من الجفاء المشهور عن أهل نجد الذي يدعوهم إلى الارتياب من المخالف وإبعاده، فإذا أُضيف إلى ذلك متغيرات النهضة العلمية المعاصرة، فإن احتمالية خروج المجدد من المؤسسة السلفية السعودية تكاد تكون مستحيلة.. لذا فالتجديد وإعادة تخطيط البناء لصرح السلفية والإشراف عليه وإدارته لا بد أن يأتي من خارجها.. وعلى يد رجال يفهمون طريقة التفكير لدى العقلية السلفية ويقدرونها، ولكنهم من خارج المؤسسة الدينية فلا يكونون برجال دين أصلاً - فلا يخافون من الإبعاد ومن تسلط السفهاء - ولكنهم يدركون أصول الدين وبخاصة أصول الفقه، (وهو علم منطقي لذا قلَّ بين السلفيين المعاصرين من يجيده ويحسن تطبيقه).

الدعوة السلفية مجدٌ من أمجاد الدولة السعودية، وإن مما سُكت عنه، أن متغيرات الزمان ومعطياته لم تعد كما كانت عليه، والزمن كان حلاّل المشاكل قديماً والذي يعوّل عليه الكثير لن يحل مشكلة جمود الدعوة السلفية، بل إن الزمن الذي نعيشه سيجعل الدعوة السلفية تراثاً ومجداً تليداً يُسطر لنا في كتب التاريخ كيف أننا أضعناه.