الكويت - سليم الحسني


أقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وزير خارجيته منوشهر متكي في الفترة التي كان فيها الأخير غائبا عن البلاد بمهمة رسمية الى السنغال. وأعلنت الإقالة بكلمات قليلة مقتضبة، جاء فيها: laquo;أتقدم إليكم بالشكر على خدماتكم وجهودكم طوال الفترة التي قضيتموها في تصديكم لوزارة الخارجية. أتمنى أن تحظى خدماتكم بالقبول والثواب من الله سبحانه. وأتمنى لكم الاستمرار في خدمة الشعب ووطننا الإسلاميraquo;.صورة أخذت لمتكي أثناء مشاركته في أعمال المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي عقد في دافوس (سويسرا) عام 2009 (أ ب)

الطريقة التي اتبعها نجاد في عزل وزيره متكي أوحت للمراقبين والمتابعين وكأن الأمر لم يكن يحتمل التأخير، بحيث إن الرئيس الإيراني لم يكن مستعدا للانتظار أياما فقط لحين عودة متكي الى البلاد ليخبره بقرار الإقالة، أو يدعوه الى الاستقالة، فيمر الموضوع بهدوء، خصوصا أن نجاد يواجه معارضة قوية تتربص به الأخطاء والزلات، وتتهمه بالدكتاتورية والتفرد في اتخاذ القرارات.

الرجل المسالم
لم يعرف عن متكي أنه رجل معارك أو أزمات. وكان قد عاد من الهند، مع بداية تشكيل الحكومة الإسلامية عام 1979، يحمل تخصصا في علم الاجتماع، لينخرط في مؤسسات الثورة الإسلامية كعنصر نشط. وكانت له مساهماته في تشكيل منظمة أنصار الإمام الخميني. ثم عمل في وزارة الخارجية، متنقلا بين مناصب عدة أكسبته خبرة في هذا المجال. وساعده اعتداله في بناء علاقات جيدة ومتينة مع رموز الدولة، حتى استطاع أن يحظى بثقة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وهي نقطة قوة لها منزلتها في الحياة السياسية الإيرانية. وعندما فاز أحمدي نجاد برئاسته الأولى في عام 2005، كان من الطبيعي أن يشكل الأخير حكومته من رجال يحظون بثقة التيار المحافظ، وينالون ثقة المرشد، وكان متكي في مقدمة هؤلاء.

الانطباع الأول
في أغسطس 2005، تسلم متكي مسؤوليته كوزير للخارجية، وكانت أول مشاركة له حضوره في اجتماعات المؤتمر الذي نظمته الجامعة العربية في القاهرة، في أكتوبر من العام نفسه تحت عنوان المصالحة الوطنية للأطراف العراقية، حيث حضر بصفته مراقبا الى جانب عدد من وزراء الخارجية العرب.
حاول متكي أن يقرب وجهات النظر بين الحكومتين العراقية والسورية، من خلال اجتماعات عقدها على هامش المؤتمر مع مسؤولين من الدولتين، لكنه واجه صعوبة في ذلك. فقد كانت الحكومة العراقية مصرة على اتهام دمشق بأنها تقف وراء العمليات الإرهابية التي تستهدف الشعب العراقي، ولم يكن متكي يحمل تصورات واضحة مقنعة، وبدا كأنه يحمل رسالة محددة من طهران، أراد تبليغها للجانب العراقي والعودة الى بلاده.
وترك الوزير الجديد انطباعا بأنه لم يكن بمستوى السمعة التي تحظى بها بلاده، كطرف مؤثر في المنطقة وفي العراق تحديدا.

سيد الدبلوماسية
في الأشهر التالية، استعان متكي بفريق يتمتع بمهارات سياسية عالية. كان من بين هؤلاء من يتمتع بخبرة طويلة في العمل مع الحرس الثوري المعني بملفات خارجية، منها العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين، وغيرها. وتمكن متكي بفضل هذا الفريق أن يسجل حضورا مقنعا في عدد من القضايا، أهمها وأبرزها الملف النووي. فقد استطاع متكي إدارة الأزمة مع واشنطن بكفاءة عالية، ونجح في التعامل مع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والدوليين كوزير خارجية له مكانته وكلمته ومواقفه القوية، فكان يرخي الخيط عندما يتوتر الجو مع واشنطن، وكان يشده حين يراه مرتخيا. كما برع في تنفيذ ما كان مطلوبا منه، وهو المحافظة قدر المستطاع على مستوى الأزمة من أن يتركها تصل الى مستوى الانفجار، وأيضا من دون أن يتركها فوق درجة التراجع.
وتمكن متكي كذلك من الإبقاء على وتيرة العلاقات الإيرانية مع الدول الأخرى، على نسقها السابق، وهذا ما كان مطلوبا منه أيضا.

أزمة واحدة تكفي
فالدبلوماسية الإيرانية تميزت بأنها تتحرك على ما يشبه الثوابت إقليميا ودوليا، فالتقارب والتباعد مع الخصوم والأصدقاء يجري ببطء شديد.
كانت العلاقة وثيقة بين الرئيس الإيراني ووزير خارجيته طوال فترة الولاية الأولى لنجاد. واستطاع متكي أن يقنع رئيسه بأدائه، كما أن وسائل الإعلام الإيرانية أثنت عليه في مناسبات كثيرة، واعتبرته رجل الدبلوماسية الإيرانية الذي استطاع أن يسجل حضوره في المحافل الدولية، ويثبت مواقف الحكومة بشكل واضح.
ونظرا لهذه العلاقة الوثيقة، كان متكي أول وزير يعين في ولاية نجاد الثانية. ومضت السنة الأولى من الولاية الثانية هادئة بين الرجلين، فقد كانت المواقف متطابقة، وعندما تفجرت المعارضة بوجه الحكومة، كان متكي الى جانب نجاد، متهما المعارضة بأنها مدعومة من الخارج، وأنها تسعى لتقويض النظام الإسلامي.
لكن الأشهر الماضية شهدت فتورا بين الرجلين. فعندما قرر الرئيس الإيراني تعيين ممثلين له في عدد من الدول، أبدى وزير الخارجية اعتراضه على هذا القرار، مبررا ذلك بأنه يضعف دور وزارته التي من مسؤوليتها إدارة ملفات إيران الخارجية. وقد حظي اعتراض متكي بدعم المرشد الأعلى، مما اضطر نجاد الى التراجع، وإطلاق صفة laquo;مستشارينraquo; على الأشخاص الذين عينهم ممثلين له.

الوزير الأنسب لنجاد
المعروف عن منوشهر متكي انه يملك علاقة وثيقة مع علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، فكلاهما من رموز الاعتدال داخل التيار المحافظ، وهما يقفان بوجه تصلب مواقف نجاد الخارجية، وخصوصا في مسألة الملف النووي.
لقد وجد الرئيس الإيراني أنه أمام نقطة حساسة في مسألة التفاوض حول برنامج إيران النووي، وأن عليه أن يحقق مكسبا مهما في دورته هذه، فوجد أن من الأنسب تغيير وزير الخارجية بشخصية محايدة تحظى باحترام الجميع، ويستطيع أن يدفع بالمفاوضات بالشكل الذي يريد. فوجد في علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية، الشخص المطلوب للمرحلة المقبلة، فما يحتاجه (نجاد) في مفاوضاته مع مجموعة (5+ 1) هو وزير أكاديمي يعرف دقائق الملف النووي، لينهي الأزمة القائمة على النحو المطلوب.

الرغبة بالإثارة
مسؤولون في وزارة الخارجية سارعوا، عقب قرار الإقالة الصادر عن الرئيس الإيراني، للتأكيد على أن السياسة الخارجية لإيران laquo;ثابتة ولن تتغيرraquo;. وقالوا إن مسار هذه السياسة سيبقى كما هو، رغم إقالة متكي، فهي (السياسة) لا تخضع لآراء الوزير بل للحكومة وقراراتها العليا. لكن هؤلاء لم يقدموا تفسيرا عن السبب وراء طريقة الإقالة، بينما كان متكي على سفر، وهذا ما حدا ببعض معارضي نجاد الى القول إن الأخير يرغب في الإثارة، وإنه أقدم على خطوته، ليظهر بصورة الرجل الحاسم الذي يتخذ قراراته في أجواء دقيقة.
يبدو أن هذا التفسير مقنع الى حد ما، بسبب غياب أي رأي آخر حتى الآن يفسر موقف نجاد، والطريقة التي تم فيها عزل وزير يعتبر أحد أكثر الوزراء هدوءا في إيران.