وليد نويهض

الخطوة التي اتخذتها laquo;لجنة المتابعة العربيةraquo; في اجتماعها الأخير في القاهرة بدعم توجه السلطة الفلسطينية في رفع ملف الاستيطان إلى مجلس الأمن والمطالبة باتخاذ موقف دولي بشأنه تعتبر رسالة عربية دبلوماسية في مواجهة السياسة الأميركية التي اعترفت بفشلها في الضغط على حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان. الرسالة مهذبة دبلوماسياً ولكنها عملياً تشكل خطوة تضغط باتجاه فتح ثغرة في الجدار الأميركي الذي لم ينجح في كسر الجمود ومنع تل أبيب من مواصلة تحديها للقرارات الدولية.

على خط موازٍ تواصل السلطة الفلسطينية حملتها الدبلوماسية على مستوى توجيه رسائل وعقد لقاءات مع البعثات العاملة في القدس والضفة الغربية ومطالبتهم الاعتراف بالدولة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967. كذلك تم توجيه رسائل مباشرة إلى دول الاتحاد الأوروبي تطالب برفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفارة على غرار ما فعلت النروج قبل ثلاثة أيام.

المطالبة الفلسطينية برفع شكوى إلى مجلس الأمن بشأن الاستيطان، مترافقة بدعوة دول العالم إلى الاعتراف بدولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، المعطوفة على رفع درجة التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفارة جاء على خلفية تعثر عملية التسوية وفشل جهود المبعوث الأميركي جورج ميتشل في الضغط على laquo;إسرائيلraquo; وجرها إلى الالتزام بمتطلبات السلام وعلى رأسها وقف الاستيطان.

التحرك الفلسطيني الذي أخذ يشق طريقه على مسارات متوازية لم يخرج حتى الآن عن إطاره الدبلوماسي، ولكنه هذه المرة بدأ يستند على دعامتين متعارضتين الأولى إيجابية وهي الدعم العربي الرسمي الذي رفض تمديد المهلة الزمنية للمبعوث الأميركي، والثانية سلبية وهي محاولة إدارة واشنطن قطع احتمال توسيع دائرة التواصل الدولي من خلال تطويق المبادرة الفلسطينية بقرارات تعترض على إعلان الدولة من طرف واحد.

بين الإيجابية العربية الرسمية والسلبية الأميركية يمكن تتبع المسار المتوقع الذي قد ينحشر الحراك الفلسطيني في وسطه. فالدعم العربي يدفع نحو كسر الاحتكار الأميركي لموضوع التفاوض ومشروع الحل النهائي. والتعطيل الأميركي يتجه نحو تكبيل التحرك الفلسطيني باللجوء إلى استخدام قرارات يمكن أن تشكل مجموعة قيود تعطل احتمال كسب التأييد الدولي - الأوروبي للمطالب الفلسطينية.

مجلس النواب الأميركي مثلاً وافق الأربعاء الماضي على قرار يدين إعلان أو اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية بذريعة أن هذه الخطوة تأتي خارج إطار اتفاق تفاوضي بين laquo;إسرائيلraquo; والفلسطينيين. واتهم قرار الكونغرس الأميركي الجانب الفلسطيني بعرقلة laquo;عملية التفاوضraquo; إذا استمر بهذا الاتجاه، كذلك طالب الدول في العالم بعدم الاعتراف بهذا النوع من التوجه كما فعلت البرازيل والأرجنتين والأرغواي.

هذه الحملة المضادة التي شقت طريقها من الكونغرس الأميركي أربكت مواقف الاتحاد الأوروبي وتراجعت دوله عن عزمها على الاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد تُعلن على حدود 1967 بذريعة أن أوانها لم يقترب وهي بحاجة إلى مزيد من الوقت حتى تكون جاهزة وقابلة للحياة وتتمتع بالسيادة إلى جانب laquo;إسرائيلraquo;. وبررت دول الاتحاد الأوروبي موقفها بأنه ينسجم مع الرغبة الأميركية في مواصلة جهود التسوية بإشراف واشنطن المباشر لأنها لا تستطيع الآن أن تأخذ دور الولايات المتحدة في المنطقة حتى لو أخفقت إدارة باراك أوباما في التوصل إلى حل.

الانسحاب الأوروبي من المنافسة في حلبة السلام، وتأكيد دول الاتحاد على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 ليس وارداً في هذه المرحلة، والتردد في عدم إثارة موضوع الاستيطان، كشف عن وجود ضعف يتمثل في عدم رغبة العواصم الأوروبية في استفزاز واشنطن التي ترى أنها تمتلك مفاتيح الحل في laquo;الشرق الأوسطraquo;.

الضعف الأوروبي ترافق مع هجمة الكونغرس الأميركي التي دفعت الرئاسة الفلسطينية إلى الرد ومعاتبة واشنطن لكونها أقدمت على laquo;تغليب المصالح الأميركية الداخلية على القانون الدولي والشرعية الدوليةraquo; كذلك تخويف الاتحاد الأوروبي ودول العالم من مضاعفات الاعتراف بالدولة من جانب واحد أو رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفارة بذريعة أن هذه الخطوات تعطل إمكانات التوصل إلى تسوية من خلال التفاوض الثنائي.

التراجع الأوروبي بالتزامن مع الهجمة الأميركية المضادة وضع التوجه الفلسطيني المدعوم عربياً إلى مجلس الأمن في موقف صعب باعتبار أن قرار الكونغرس يمهد الطريق للإدارة ويشجعها على استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قد يتبناه مجلس الأمن بشأن الاستيطان. مشكلة التمدد الاستيطاني تختلف عن موضوع الدولة والحدود والاعتراف من جانب واحد ورفع التمثيل الدبلوماسي لأنها تشكل في جوهرها نقطة تقاطع بين السلطة الفلسطينية ودول الاتحاد الأوروبي والعالم بوصفها تناقض القانون الدولي وتعرقل جهود السلام وتهدد مبدأ الدولتين وتمنع قيام دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة.

لذلك يمكن القول إن مشكلة الاستيطان من خلال طرحها على مجلس الأمن قد تشكل ذلك الملاذ الآمن للسلطة الفلسطينية لأنها تمثل نقطة تقاطع بين توجهات مختلفة. أوروبا تعتبرها مخالفة للقانون الدولي. أميركا أيضاً ترى فيها حتى الآن مشاكسة للجهود الدبلوماسية. والدول العربية تجد فيها سياسة تكسر كل البنود التي تنص عليها قرارات مجلس الأمن.

التوافق المذكور يحتاج فعلاً إلى قراءة تعقيدات الموقف الأميركي وقدرته على تجاوز عتبات الكونغرس وقراراته الأخيرة، حتى يستطيع النجاح والنفاذ بتوصية دولية تدين الاستيطان وتطالب بتجميده. فهل تستجيب واشنطن لهذه الرغبة الفلسطينية المدعومة عربياً وتقبل بتمرير كرة إلى مرمى حليفها الإسرائيلي؟ إدارة أوباما مترددة وخائفة ومرتبكة فهي من جانب ترى في الاستيطان مشكلة ميدانية ومن جانب آخر ترى لا مانع من استئناف المفاوضات من دون ضرورة لوقفه.

هذا التعارض الذاتي في نهج السياسة الأميركية يمكن رصده على أكثر من صعيد دولي وملف إقليمي. فهناك موانع تفصل بين رغبة الرئيس أوباما وبين إمكاناته وقدرته على تطويع توجهات تقليدية دأبت المؤسسات على اتخاذها منذ عقود من الزمن.

الكرة إذن في الملعب الأميركي بعد أن اتخذت الدول العربية قرارها ودعمت خطوة توجه السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن ومحاولة انتزاع قرار يعزز موقفها الدبلوماسي في مواجهة الوحش الاستيطاني الذي يأكل الأرض ويعطل إمكانات تأسيس دولة في مكان مُهدد أن يصبح لا وجود له في المستقبل.