قاسم حسين

من أبرز الأخبار السياسية الدينية نهاية الأسبوع الماضي، مشاركة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في مراسم إحياء laquo;عاشوراءraquo;، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها في تاريخ الدولة التركية.

الخبر تداولته وكالات الأنباء وغطته بعض الفضائيات، وأرفقته بخلفيةٍ تشير إلى ظهور المسلمين الشيعة على السطح في تركيا مع فوز حزب الرفاه الإسلامي في الانتخابات في التسعينيات، حيث يُقدّر عددهم بـ 2.5 و3 ملايين نسمة. وبعض التقارير احتسبتهم مع العلويين البالغ عددهم 18 مليوناً، ليشكّل المجموع ربع السكان. وليس المهم النسب أو الأرقام، بل معاملة الناس وفق حقوق المواطنة، دون تفرقة أو تمييز بين البشر، فحتى لو وجدت أقلية لا تزيد عن مئة ألف لوجب معاملتها بالعدل والمساواة.

أهمية الحدث أنه يفتح صفحةً جديدةً في تاريخٍ مليء بالآلام، خصوصاً مع حضور مستشار المرشد في إيران علي أكبر ولايتي. فقد دفعت الأقليات في البلدين طوال ثلاثة قرون ثمن الصراع العثماني والصفوي، وامتد لمناطق أخرى، خصوصاً العراق. وكثيراً ما انتقد المفكرون الإسلاميون مثل مالك بن بني وعلي شريعتي مثل هذه الصراعات التي ساهمت في استنزاف طاقات الأمة، وتسبّب في سفك أنهار غزيرة من دماء الأبرياء.

في إطلالته الجميلة، قال أردوغان: laquo;لست هنا لأشارك في مصابكم بل في مصابنا جميعاً. فالحسين قُتل بوحشية، والشهادة التي عرفتها كربلاء تجرح في الصميم كل المؤمنين الذين يحبون أهل البيتraquo;. وأضاف: laquo;إن صلواتنا وبكاءنا وصرخاتنا تدوي في السماء منذ 1370 عاماً. نحن لا نحب أن تتكرّر فاجعة كربلاء في عالمنا المعاصر، فقلوبنا جميعاً قد احترقت بمصاب الحسينraquo;.

بعض التقارير الصحافية أشارت إلى زيادة الاهتمام في السنوات الأخيرة بهذه المناسبة، حيث يحرص بعض الساسة والوزراء والنواب على حضورها، إلى جانب رئيس الشئون الدينية، التي تمثل أعلى هيئة دينية فى تركيا، ورئيس مجمع التاريخ التركي. وهي خطوة تأتي ضمن توجه سياسي عام للانفتاح في الداخل وعلى دول الجوار، مع رفع شعار: laquo;لا أعداءraquo;.

إحدى وكالات الانباء قالت إن أردوغان بدا عليه حزن عميق، وانه أكد على ضرورة جعل واقعة عاشوراء منطلقا للوحدة بين أطياف المسلمين. واعتبرت مشاركته laquo;خطوة تاريخيةraquo; قد تمهّد لإزالة أسباب الغضب العلوي من النظام التركي، سواءً في فترة حكمه ذي الطابع الاسلامي أو ما سبقه من حكومات علمانية. فالعلمانيون كانوا ينظرون إلى العلويين كونهم أكبر الأقليات، ككتلة انتخابية مؤثرة، يمكن أن تسهم في حماية الطابع العلماني للدولة، بينما بقوا طويلاً يطالبون بالحقوق المدنية والمساواة في الوظائف حتى طرقوا أبواب الاتحاد الأوروبي طلباً للإنصاف. وحضور laquo;حزب العدالة والتنميةraquo; في هذه المناسبة وبهذه القوة، له دلالاته المهمة، فما لم يفعله العلمانيون تجرأ أردوغان على فعله لكسر الجليد.

في إطلالته يوم عاشوراء، استشهد أردوغان ببيتٍ لأحد الشعراء الأتراك يقول: laquo;نحن أمة تعرف كيف تحيل المرّ عسلاًraquo;. وقد نجحوا فعلاً بتحويل بعض أعدائهم التقليديين مثل روسيا وسورية عبر سياسة اليد الممدودة... إلى أصدقاء