أمجد عرار
لا ينتبه أحد من مصدّقي ldquo;العدالة الدوليةrdquo; بقيادة الولايات المتحدة، إلى الاعترافات غير المباشرة التي تصدر عن الغرب بأن معاييره للعدالة سياسية بامتياز . فالاعترافات، ونعني بها التصريحات لا التسريبات الفضائحيّة، توحي بالكثير ليقال في شأن الأحكام والقرارات الصادرة عن ثُلّة نصّبوا أنفسهم أوصياء على الشعوب، ومدافعين عن حقوق إنسان بمواصفاتهم، ومصالح شعوب لا يكون قادتها تحت إبطهم، وقضاة يصدرون الأحكام على من يصنّعون لهم ملفات ب ldquo;جرائم حربrdquo;، ويأمرون الجيوش لاحتلال دول ويطيحون زعماء ldquo;أصبحواrdquo; تجار مخدّرات فجأة عندما انكشفت مصادرها أو عندما رفعوا رأسهم قليلاً في وجه طلب يبالغ في الإذلال، أو لأنهم تحوّلوا إلى ليمونة خالية من العصير .
قبل بضعة أيام عرض الغرب على الخرطوم ldquo;حوافزrdquo; مغرية لكي تسمح للاستفتاء الانفصالي أن يمرّ ومعه أبيي ونفطها . تتضمن الحوافز، إضافة للمال، رفع العقوبات التي فرضت على الخرطوم لثنيها عن دعم ldquo;الإرهابrdquo;، وإجبارها على أن تجلس ب ldquo;أدبrdquo; وتكتّف يديها أمامها وتترك محور ldquo;الشرrdquo; . لكنّ قادة الغرب يبوحون على نحو غير مباشر، بالسبب الحقيقي للاستهداف، ويعرضون إسقاط العقوبات إذا مرّ انفصال القطعة الأولى من جسد السودان بلا ldquo;مشاكلrdquo; . إذا انفصل الجنوب ستسقط تهمة الإرهاب عن السودان، وسيقترب خطوات من بوابة ldquo;محور الخيرrdquo; . لم نطلّع على الآليات التي كانت ستعتمد في ما لو وافق الرئيس عمر البشير على هذه الحوافز، ولم نعرف إن كانت لا تترك ثغرات تسمح بأن يكون إقليم دارفور القطعة الثانية التي سيكون انفصالها شرطاً لعضوية ldquo;مراقبrdquo; في ldquo;محور الخيرrdquo;، وما إذا كان فتح سفارة ldquo;إسرائيليةrdquo; في الخرطوم شرطاً للحصول على العضوية الكاملة في المحور .
ولأن هذه هي الدفيئة التي اخضرّت فيها شتلة الانفصال الجنوبي، فإن القادة الذين يتحدّثون باسم الجنوب كانوا يتحدثون من أنوفهم وهم يرفضون عرض البشير التنازل عن حصّة الشمال من النفط الجنوبي مقابل حماية الوحدة . وإن كنا نتفهّم قولهم إن العرض جاء متأخّراً، فإننا نشم رائحة الابتزاز في وصفهم العرض بأنه غير كاف . هم إذن، تماماً كما قطع نائب الرئيس السوداني، يتجهون نحو الانفصال لا محالة، وما الاستفتاء سوى الساتر الذي يخفي تحته دسائس الإعداد لخطوة تعكس بؤس حال العرب جميعاً، هذا الحال الذي سيفضي إلى حصول ldquo;دولة جنوب السودانrdquo; على العضوية في الجامعة العربية والأمم المتحدة، قبل أن تحصل عليها فلسطين المتروكة لمصيرها في مواجهة الاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo; وrdquo;الفيتوrdquo; الأمريكي .
قبل ثلاثين عاماً ارتشفنا من دريد لحام ldquo;كاسك يا وطنrdquo;، ففي تلك المسرحية المستشرفة، هاتف غوار الطوشة والده في الجنّة، وأراد أن ldquo;يطمئنهrdquo; على أحوال العرب، قائلاً: ldquo;اليمن يمنين ولبنان أربعة، والخير لقدامrdquo; . ربما كان هذا ldquo;الخيرrdquo; القادم هو السودان والعراق وأخرى ستظهر قريباً ldquo;حتى تصبح أصواتنا كثيرة في الأمم المتحدةrdquo;، لكن على غوار أن ينتبه، عندما يتحدّث مع والده مرّة أخرى عبر الهاتف، أن ldquo;إسرائيلrdquo; التي تحوّلت إلى ldquo;قُطر شقيقrdquo;، اجتاحت الاتصالات الهاتفية .
التعليقات