لينا أبو بكر

الجزيرة وآخ من الجزيرة! لماذا؟ لأن البعض يشيرون بأصابع الاتهام لهذه القناة بالتلاعب بأمن الساحة الكروية في الأردن، في حين أن ياسر أبو هلالة في تقريره الذي زود به نشرة الحصاد يوم السبت كان الأكثر عدلا وحيادية، حتى وهو يشير إلى ما يعتبره البعض ـ من المندسين- فتنة كامنة في الأردن، تعكسها وتعبر عنها واقعة الحدث الكروي الأخيرة بين نادي الفيصلي ونادي الوحدات.. ربما كان الحق كل الحق مع البعض الذي يرى في بعض الجهات الإعلامية من يوغر في الصدر الأحقاد، ويذكي نيران داحس والغبراء الكروية، لكن إياك والجزيرة، فالجزيرة 'من عظام الرقبة' وأبو هلالة من أهل البيت.. شاهدنا ردود أفعال اتسمت بالمنطقية والحكمة من ضيوف في 'ماوراء الخبر'، لكن فضاءات أخرى يحلو لها الصيد في الماء العكر ومجرد اللعب على وتر الفتنة خطر يجب وأده في مهده، طالما أن الفلسطيني في المجتمع الأردني مواطن يتمتع بحقوق المواطنة وينعم بالأمن والمساواة في التعلم والاستثمار والعمل .
الأمير علي بن الحسين رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم كلف نائبه البلبيسي بإجراء تحقيق حول ما نجمت عنه الأخطاء التي ارتكبتها عناصر عدة في حق هذه التظاهرة الرياضية التي طالما قلبت كيان الشارع الأردني في لحظة غضب لتعيده إلى رشده بعد أن تندلع فيه نارها وتخلف ما تخلف من 'أحقاد متفحمة'، والأمير علي اعتبر أن إجراء التحقيق من حق الاتحاد مادام الجمهور ركنا أساسيا من أركان اللعبة، 'بدك الصراحة أو بنت عمها أيها القارئ'؟ يا الله خذ بنت عمها مادام 'الدم ما بيصير مي' واترك الباقي للأيدي الخفية ـ غير العربية - التي من مصلحتها ألا يتولى الأمير علي منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم 'الفيفا' عن آسيا، في منافسة مع الكوري الجنوبي تشونغ مونغ جون، لأن الثارات الكروية تعمل بمنطق داوني بالتي كانت هي الداء! فهل الإعلام فعلا ساحة خصبة لهذه المواجهة السياسية؟!
يصعب على من عاش في البيئة الأردنية ألا يتحدث مليا عن كل ما تحمله هذه المنافسة الكروية من ذاكرة مشحونة بالمفارقات والعبر، ويصعب علي أنا كفلسطينية وأردنية أن أتحيز سوى للذاكرة التي اختزنت من المشاهد الإعلامية كواليسها التي لم تعرض أبدا على الشاشة، فالوحدات والفيصلي المعادلة الأصعب في جسد الوحدة الوطنية الأردنية، ما السبب؟ ربما لأن الوحدات كما ذكر أبو هلالة في تقريره هو المخيم الفلسطيني القابع في جنوب شرق عمان منذ عام 1955، لكن ما دخل التنافس الكروي بهذه اللفتة؟ مجرد متابعة ذلك الشريط الذي بثته الجزيرة وصدى الملاعب على الإم بي سي وتناقلته بعد ذلك المواقع الإلكترونية واليوتيوب، ترى تدافع عدد من جمهور 'الوحداتية' بعد رشق قام به بعض جمهور 'الفيصلية' من وراء حجاب، مما دفع الوحداتية لتوسل سبل النجاة، قابلتها بعض المحاولات الفردية من الدرك للقمع، بل إن أحد أفراد الدرك بدا متأهبا للانقضاض على الجمهور حتى قام زميل له بإيقافه فورا، كما يبدو في التقرير المصور، وهو تحديدا ما يمنعك من التعامل مع هذه التصرفات الفردية على أنها نمط قمعي متبع في الجهاز الأمني الأردني، لأنك ترى أن أي انفلات على مستوى ردود الفعل لا يعكس إلا سلوكا شخصيا لا يخص إلا صاحبه، وهذا وحده لا يعطي لأي محلل إعلامي الحق بتسجيل هدف ذهبي في مرمى الفتنة، وهو ما تجنبه أبو هلالة، ولا يلغي في الوقت ذاته أن الخطأ شرارة قد تعم نارها على الجميع، إلا أنك سترجح عفوية الغضب أحيانا وأحيانا أخرى همجيته وأحيانا ثالثة جهله، فالغضب أيضا جاهل وأعمى القلب والبصيرة، والغضب إنسان أيضا له مشاعر يجب أخذها بعين الاعتبار، ولا يعني أن نادي الوحدات المسمى على اسم مخيم فلسطيني يعد جبهة للحرب والمواجهة مع عشيرة أردنية هي الفيصلي؟ هذا الترتيب الإعلامي للمسألة مخيف حقا ويعزز تلك الهواجس العنصرية في صلب الشارع الأردني، كان على الإعلام أن يستعيد مشاهد مماثلة في الملاعب الإسبانية والإنكليزية اعتاد عليها العالم في التنافس بين الفرق المحلية، ولم يكن بحاجة لا إلى مخيم ولا إلى عشائرية كي يحقق هدفا في مرمى حرب أهلية، الحمد لله إذن أن مباراة كرة القدم النسائية لم تزدهر في بلادنا بعد وإلا لالتقطت عدسات الكاميرا 'طوشا ومجازر' من نوع آخر، حينها ستصير الكرة في عرف الفتوى 'عورة' وتصبح مجازرنا شرعية !!

الحمد لله على سلامة البطولة

بحسبة بسيطة جدا هل يمكنك أن تعتبر أن نادي الأهلي والزمالك اللذين يلفظان أنفاسهما بعد صراع زمني طويل على البقاء، هما ناديان لهويتين منفصلتين تخلقان جوا عنصريا لانتماء لا ينتج عنه سوى شق الصف الوطني في مصر؟ ماهذه المهزلة، وليس أبلى منها إلا ما طلع به علينا مراسل صدى الملاعب الذي صرح لماريان بأنه تلقى تهديدات بالقتل على تقاريره التي قدمها للإم بي سي بعد واقعة الوحدات والفيصلي، فما كان من المذيعة إلا أن ارتبكت ولم تدر ما ترد عليه سوى بكلمة ليست في محلها 'لأ إن شاء الله سلامتك' فهذه ليست مناسبة لارتداء ثوب البطولة على حساب المعركة، إذا اعتبرنا أن المعركة من صنع جهلاء يهددون الوحدة الوطنية، ويفوتهم أن الفريق الوطني الأردني هو ذلك المزيج من النوادي على اختلافها ومن أهم أهمها الفيصلي والوحدات، وأننا إذ نرفع علم الأردن في المباريات العربية والدولية لا نقوم بشقه نصفين كي نراعي توزيع اللاعبين من الفريقين على أرض الملعب، وإلا لتركنا الساحة لأهداف طائشة في مرمانا هي رصاصات انتحارية !
يصعب عليّ أن أقص عليك كيف أن بيتنا كان ملعبا آخر كلما تم عرض مباراة بين الفيصلي والوحدات، لأن أحد أخوتي وحداتي والآخر فيصلي وتعال احضرنا أيها القارئ لترى كيف أن الكرة لا تحمل في جيبها السري هوية مزدوجة ولا عمالة وطنية للفتنة! كل ما عشناه هو ذلك الصراع بين فريقين في بيت كان يتلقف الكرة من اللاعبين كلغم موقوت لينقلب البيت حكما بين أخوة أعداء وهذه تماما هي الصورة العامة للمشهد الكروي الأردني، وقد لا أذكر مما شاهدته من مباريات الفيصلي والوحدات أي هدف ولا حتى مشاحنة، كل ما أذكره صوت محمد المعيدي معلقا، وصورة إبراهيم سعدية الذي كانت البنات في المدارس تتناقل صوره كالحشيش، يتحدثن عن لحية سعدية، وعن الشورت، ولن أزيد.

الإعلام والعدالة
حلقة منبر الجزيرة التي تناولت الاغتصاب كانت استثنائية بكل المقاييس، فالضيف هو الضحية أبو الضحية، رجل يبكي خلال محاولته سرد ما حدث لطفلته التي تبلغ الخامسة من العمر، حيث استدرجها أحد الغرباء في أحد المخيمات في دمشق على ما يبدو، وقد أغواها بقطعة بسكويت فذهبت معه ليتغزل بها في مدرسة مهجورة ويقوم بفعلته التي هي أخس من الخسة!
ينفطر قلب السماء وقلبك وقلب الإعلام كما بدى على مقدمة الحلقة منى سلمان، والرجل يحمد الله أن المغتصب لم يقم بقتل ابنته، التي عادت إلى البيت وهي تنزف وتبكي شاكية لذويها ضرب الغريب لها! لم تفهم الطفلة بفطرتها أن في فعلة الرجل الشاذ ما يشي بالحب أو بممارسة لعمل عفيف بل فهمته ووصل إليها على أنه ضرب، وهي ردة فعل طبيعية وفهم دقيق للعملية التي لم يحترم بها المجرم لا الله ولا الأخلاق ولا رجولته التي ليست كذلك ولا حتى البراءة والطفولة وذلك العالم النقي الذي لطخه بقذارته !
حاولت منى سلمان عدم الإيغال في مساءلة الأب احتراما لوضعه وخصوصيته ومشاعره وذاكرته، مقدرة له جرأته وشجاعته في المثول أمام الكاميرا، وهو ما يندر أن يفعله رجل شرقي إذ تحاصره الاعتبارات الاجتماعية ونظرة محيطه للضحية التي هي ابنته، مما يهدد مستقبلها كأنثى، وقد بدت صورة وصوتا ظلا في الكاميرا، لكن ما يطمئنك أن الطفلة خلال التحقيق تعرفت على المجرم وتمت محاكمته التي لم تصل إلى الإعدام ... لماذا لم تصل محاكمته للإعدام؟ لماذا يترفق القانون بهؤلاء السفلة؟ ألا يعد اغتصاب طفلة إعداما مدى الحياة؟ لا بل إن الإعدام شنقا لهؤلاء لا يكفي إنما يجب رجمهم بحجارة من سجيل على مرأى الناس في الساحات العامة حتى الموت.. لم يزل القانون هشا وضعيفا ومتخاذلا أمام جريمة لا تكفي الحياة بأسرها لعقابها، وقد أستعين بتعليق لأحد المشاهدين ورد في الرسائل الواردة للبرنامج أننا في زمن يغتصب الرجال فيه بلا حاجة لإغوائهم بالبسكويت، ليس لأن الرجولة أصبحت ضحية في زمن تتهاوى فيه القيم إنما لأن الرجولة أصبحت فراغا مطبقا، كيف لا والقانون لم يزل رجلا ليس بقادر على الخروج من عباءة العرف والخذلان، أفهم ما يعنيه المشاهد من إحالة على أوضاع سياسية مهينة تحول العالم العربي إلى مطية 'إراديا' في ما قصده من وراء التعليق، ولكننا سنبقى مع ترحيب منى سلمان برأي أحد المتصلين وهو اللافت حيث ركزت على ما دعا إليه من تسليط الضوء على دور الإعلام بالتعامل مع هذه القضية كتابو محرم رغم استشرائها، ولابد أن تشاركه الرأي إذا ما وثقت بهذا الدور الذي قد يؤثر على مسار التشريعات القانونية ويجعلها أكثر صرامة بالتعامل مع جرائم الاغتصاب في عالم لا تقلقه الجريمة بل يقهره القانون، وتصبحين على جريمة أيتها العدالة!