قاسم حسين

لم نفاجأ بشكوى مؤسسات المجتمع المدني من سوء معاملة وزارة التنمية الاجتماعية، لمعرفتنا عن قرب بمعاناتها الطويلة، وإنّما فوجئنا للأسماء الواردة في الرسالة التي تسرّبت مؤخراً على طريقة الـ laquo;ويكيليكسraquo;!

الرسالة المؤرخة بالثالث من مارس/ آذار الماضي، مكوّنة من ثلاث صفحات، وفي الصفحة الرابعة أسماء المنظمات الأهلية التي ضجّت بالشكوى، أغلبها جمعياتٌ نسائية، وفي مقدمتها الاتحاد النسائي، بالإضافة إلى laquo;جمعية الاجتماعيينraquo; و laquo;الجمعية البحرينية لحقوق الإنسانraquo;، و laquo;المنتدىraquo;. وفي الوقت الذي خاضت فيه الوزارة معارك شرسة مع منظمات أهلية على خلفية سياسية أو دينية سابقاً، يلاحظ أن قائمة المنظمات الجديدة من اتجاهات فكرية شتى، وأكثرها بعيدٌ عن المعارضة والتسييس. فالرسالة أبرزت مشاكل أخرى غير الاستهداف السياسي المتعمد، من تخبط وسوء إدارة ومعاملة فوقية، مع التركيبة الداخلية للطاقم الوزاري الحالي.

بخصوص النقطة الأخيرة، انتقدناها مراراً، فلا تتوقع أن ينجح طاقمٌ إداريٌ كلّ خبرته التعامل مع طالبات المرحلة الإعدادية، حين يمارس كل laquo;مؤهلاتهraquo; في الضبط والقهر على منظمات أهلية طوعية، يقوم عليها إداريون أغلبهم في العقدين الرابع والخامس من العمر.

التخبط والتعامل الفوقي وسوء المعاملة كانت من أبرز سمات الطاقم المعني، والوقائع مازالت حاضرةً في ذاكرة الجمهور، ولعلّ آخرها القرار التعسفي في إغلاق أقدم جمعية حقوقية في البحرين، واستبدال إدارتها الشرعية المنتخبة بأحد الموظفين. وهي خطوةٌ أحرجت الحكومة وأثارت استنكار الرأي العام والمؤسسات الحقوقية الدولية.

المنظمات الأهلية صاحبة الشكوى، عبّرت عن امتعاضها من مديرة إدارة المنظمات، لتدني مستوى التعامل والتواصل، والقرارات المجحفة بحق المجتمع المدني وتاريخه الطويل في العمل التطوعي التنموي. وفي تصريحه لـ laquo;الوسطraquo; أمس، أشار أحد الشوريين الليبراليين إلى أن المشكلة تكمن في قانون الجمعيات نفسه، الذي صدر في ظروف سياسية وتاريخية كان فيها المنع هو الأساس والسماح هو الاستثناء، وبالتالي يتوجب تعديل أو استبدال هذا القانون المقيد للعمل الأهلي، واعترف بوجود مشكلة في العقلية التي تطبق القانون بتعسف وتعقيد.

أحد النواب الجدد أشار إلى أن المشاكل التي تعاني منها مؤسسات المجتمع المدني ليست جديدة، بل هي نتاج سنوات طويلة وقد آن الأوان لتصحيح هذا الوضع الخاطئ، مستشهداً بتجميد حسابات بعض الصناديق الخيرية التي تخلفت عن استكمال إجراءات التحول إلى جمعيات خيرية.

ما لم يشر إليه النائب، أن الوزارة عاقبت جميع الصناديق الخيرية دون استثناء، بتجميد حساباتها، وأربكت أعمالها طوال الأشهر الثلاثة الماضية، بهذا القرار التعسفي. وعندما أثرنا الموضوع في الصحافة قبل أسابيع، حاولتْ لملمة الوضع باستدعاء الصناديق لإقناعها بالتحول بعد التوقيع على نظام موحّد لم يتم استشارتها فيه. وبعد كل هذا الجهد والبهرجة والضجيج، لم يتحوّل أكثر من 22 صندوقاً من مجموع 84، ما يكشف حجم انعدام الثقة بالوزارة.

بحكم متابعتي لموضوع التحوّل من صناديق إلى جمعيات، أجزم بأنها كانت زوبعةً صاخبةً في فنجان فارغ، اختلقها الطاقم الإداري في بداية عهده بالوزارة قبل خمسة أعوام، عبر فاكسه التاريخي الذي هدّد الصناديق بالحلّ إذا لم تتحوّل خلال أسبوعين! وقد مرّت كل هذه الأعوام ولم يتحوّل غير ربع الصناديق، بعد مشوار طويل من المماحكات، انتقل خلالها الموضوع من السجال الصحافي بين الوزارة والصناديق، إلى مجلسي النواب والشورى، حتى وصل إلى رئاسة الوزراء، حيث صدر قبل عام أمرٌ بتسهيل التحوّل الذي لم يتم.