مصطفى الصراف

الديموقراطية نبتة مباركة بذرها الانسان وصارت من تراثه، وهي لكي تنمو يجب أن تتوافر لها الأرض الخصبة والجو الخالي من العواصف والمياه العذبة التي تنساب اليها من قنوات نظيفة لتغذيتها، فإذا توافرت هذه العوامل لنبتة الديموقراطية نمت واشتد ساقها وصارت شجرة مثمرة وارفة الظلال، يستظل تحتها الغني والفقير والأمير والغفير، أما بذرة الديموقراطية في الكويت، فقيد هيأ لها سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله الأرض الخصبة بوضع الدستور، وما ان نبتت حتى بدأت الأجواء تكفهر والعواصف تحاول اقتلاعها منذ تزوير الانتخابات سنة 67، وحل المجلس سنة 76، ثم حل المجلس سنة 86، ثم المجلس الوطني، ثم عدم الاستقرار المناخي منذ التحرير وحتى يومنا هذا بين حل المجلس أو حل الحكومة، فلم تنمُ لدينا الديموقراطية.
ولكي يتوافر المناخ الجيد لتنمو به الديموقراطية، يجب أن نعمل جميعاً على توفير الجو الهادئ والابتعاد عن العواصف، وتمرير المياه المغذية للديموقراطية من خلال القنوات الشرعية النظيفة التي رسمها الدستور. لقد وقفت كل التجمعات السياسية وكل مؤسسات المجتمع المدني وقفة واحدة عندما حل مجلس 85، وانتشرت دواوين الاثنين بتنسيق من قبل لجنة laquo;الخمسة وأربعينraquo;، وتصدينا أبناء الكويت جميعاً لمحاولات اجهاض الدستور. وكانت ندوات دواوين الاثنين تعقد لأنه لم يكن آنذاك مجلس الأمة قائماً يعمل. كما تصدينا لهجمة القوات الخاصة التي كانت تداهمنا في كل ديوانية حتى استخدام المياه الحارة والكلاب البوليسية، وكل ما لدى تلك القنوات من وسائل العنف والقهر. ومع ذلك، استمر كفاحنا ومواجهتنا لها حتى عادت الحياة النيابية ثانية بعد التحرير. لقد كان تصدينا لتلك القوة مبنياً على حق هو المطالبة بعودة الحياة النيابية، والديموقراطية والعمل بالدستور، وكانت القوات على باطل لأنها كانت تنفذ أمراً باطلاً، وما بني على باطل فهو باطل. أما التصدي اليوم للقوات الخاصة التي جاءت لحفظ النظام ولتطبيق القانون بناء على أمر صاحب السمو الأمير، ومع وجود مجلس الأمة، وهو يمارس صلاحياته الدستورية، فهذه القوات كانت تنفذ أمراً سليماً قانوناً، وبناء عليه فان هذا التصدي للقوات الخاصة في غير محله، ويختلف عن التصدي يوم كانت دواوين الاثنين. والتصدي لها مخالف للقانون.
ان العمل على تهدئة الأجواء والكف عن عقد التجمعات أمام الدواوين واغلاق الشوارع ونقل الحوار السياسي خارج مجلس الأمة يشوه الديموقراطية ويميت بذرتها.
وينتهي بنا الأمر الى القول إن الاستجواب المقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء بسبب تلك الاحداث انما هو تحايل على شرعية القانون وسلامة تنفيذه. ويعتبر دعوة للسماح باستمرار الفوضى التي تعيق نمو الديموقراطية، وتعطل مصالح الأمة.
وهو استجواب باطل لأنه بني على مبرر باطل.