ماضي الخميس


في عام 1938 حين تم تشكيل أول مجلس انتخابي في الكويت... لم يصمد سوى ستة أشهر حتى انفض بأزمة سياسية طاحنة، وصدام بين النظام وأعضاء المجلس الذين قتل منهم من قتل، وهرب من هرب، وسجن من سجن، وكانت أحداث دامية بسبب عدم الوعي الكامل لمغزى الديموقراطية وسوء التطبيق من الجانبين، فالمجلس سعى منذ أول جلساته إلى سحب الكثير من الصلاحيات المهمة التي كان يحتفظ بها الحاكم وقتها وهو الذي لم يكن على استعداد بأن يكون هناك شركاء في الحكم، ولم يعتد الانتظار وأخذ الموافقات من الآخرين لتطبق قراراته التي كانت أوامر قبلها، وكان من أبرز ما طالب به أعضاء مجلس 1938 أن يقوم الحاكم بعزل مستشاره، وأن تكون مخازن الأسلحة تحت تصرف أعضاء المجلس، وألا يقوم الحاكم باتخاذ أي قرارات إلا بالرجوع إلى المجلس وأخذ موافقته، وأمور أخرى، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى ذلك الصدام.
قصة الديموقراطية الكويتية لها جذور وتفاصيل كثيرة ولم يكن 1938 بدايتها إنما بدأت مع اختيار الشعب الكويتي لأسرة الصباح لتولي شؤون الحكم، وتزخر المراجع التاريخية للكثير من الممارسات الديموقراطية التي مارسها الكويتيون عبر التاريخ حتى قبل أن يعرفوا المعنى السياسي والاصطلاحي للديموقراطية، إنما كانت ممارستهم لها بالفطرة التي اعتادوا عليها بتعاملاتهم والتعبير عن آرائهم، وبالتأكيد فقد رسخت تلك الممارسة بالتوجه العظيم بوضع الدستور وانشاء مجلس للأمة.
إن الحياة الديموقراطية في الكويت تتقاسمها الايجابيات والسلبيات، الايجابيات التي منحتنا ما نتفاخر به من حرية في التعبير والممارسة والقول والمشاركة في الحاضر والمستقبل، والسلبية في الانطباع السيئ الذي خلق لدى المواطنين والمراقبين من داخل وخارج الكويت حول المساوئ والأزمات التي أدخلتنا بدوامتها الديموقراطية، وصرنا نتساءل: هل الخلل فينا أم في الديموقراطية، أم في الممارسة، أم في الدستور، أم في الصحافة، أم في البرلمان، أم في الحكومة؟ وهي جميعها تساؤلات مشروعة وواقعية ومن حقنا أن نطرحها رغماً عن أولئك الذين يريدوننا أن نغمض أعيننا ونسير خلف ركابهم دون أن نرى أو نفكر أو نقرر، ويتهمون كل من يفكر بأبشع الاتهامات تخويفاً لهم من عدم الاعتراض أو مخالفة ما يقولون.
واقعياً فمسيرتنا الديموقراطية ارتبطت بالكثير من الأزمات التي عشناها في فترات زمنية مختلفة... بدءا من 1938 ومروراً بالعشرات من الأزمات السياسية، لكننا لم نواجه أياماً عصيبة وأزمات مستمرة مثل الذي نواجهه حالياً، ولم نشهد تفككاً في لغة الحوار وابداء الرأي والتصعيد المتعمد مثلما يحدث حالياً، ولم يكتف أطراف الصراع بأن يظل صراعهم داخل محيط المؤسسة التشريعية والتنفيذية، وفي الإطار العام الذي حدده الدستور، إنما سعوا إلى نقل هذا الصراع إلى أماكن عامة وأجواء مفتوحة يشارك فيها بالرأي والتصريح التدخل كل من له شأن ومن لا شأن له!
لا بأس من الاختلاف والنقد والمواجهة والمراقبة، كل تلك أمور حميدة ومطلوبة، لكن ما يحدث حالياً بعيد كل البعد عن الممارسة الديموقراطية الحقيقية التي نسعى وراءها ونتمنى وجودها. ودمتم سالمين.