طارق العامر

اكاد ألامس حرقة في الجوف، يعني، هل الخليجيون شعوب درجة عاشرة لكي يتعامل معهم اقرانهم العرب بكل هذه الفجاجة العميقة؟ هل كان لازما أن يكونوا من روافد نهر الكلب او النيل او المطلين على المحيط الاطلسي لكي يتقلدوا المناصب القيادية في الاتحادات العربية؟
هل الخليجيون ابناء البطة السوداء؟ لماذا يصر اخواننا العرب على اعتبارنا شعبة من شعب الاستغفال؟ ويتعاملون معنا على اننا مجرد دفتر شيكات؟
المعني بالكلام، كنت حاضرا مؤخرا في اجتماعات الاتحاد العربي للصحافة كعادتي التي لم تنقطع منذ سبع سنين والذي تأسس سنة 1964، وفي كل اللقاءت العربية، كعادتنا، نناقش هموم الصحافة العربية، ووسائل الارتقاء بها، والسبيل الى تطويرها، والبحث عن العوائق التي تعرقل مسيرتها، وكيفية النهوض بالصحفي العربي، ودعوة الحكومات العربية الى اعطاء المزيد من الحريات وو..، سبع سنين ونحن ندور وندور في نفس الحلقة المفرغة، وفي النهاية يصدر البيان الختامي المعد سابقا laquo;عدوة منقولة من اجتماعات جامعة الدول العربيةraquo; تدعو وتدين وتستنكر وتشكو ضعف الموارد المالية وتطالب بالدعم من قبل الدول الغنية، ونحن الخليجيين لا نملك سوى ان نتذمر في الخفاء ونحيي في العلن، لذلك وفي كل مرة اغادر فيها موطن الاجتماع، اقرأ على صحافتنا السلام.
لن يتغير حال الاتحاد العربي للصحافة ولا الكثير من الاتحادات العربية، طالما يعتبر البعض ان تلك الاتحادات محميات طبيعية لا يحق للخليجيين مجرد التفكير في التغير، ولن تتطور تلك الاتحادات ما دام البعض من العرب يفرض على القيادات الخليجية سياسة الاملاء، ولا جدوى من المشاركات ولا طائل منها، وسنظل قطيعا يجتمع ليبصم على الاجندات المعدة مسبقا، ويدين بالسمع والطاعة لأسماء بعينها تكلس قيادة الاتحاد، وترسخ للتخلف والرجعية.
الشيء المحير، ان امثال تلك القيادات الفكرية العربية هي اول المتشدقين بالديمقراطية، ويطالبون بالاصلاح، ويدعون الى تداول السلطة، ويتقمصون دور المعلم الذي يغرس انبل القيم امام تلاميذه، ويجهزونهم لاستلام راية القيادة من بعده، إلا أن ما يقولونه ليس سوى تنويعة معاكسة على النغمة التي يعزفها العديد من الكتاب العرب الذين يقولون ما لا يفعلون.. التغيير، يا عمي روح.. الاصلاح، كبر كبر يا عم الحج.. تداول السلطة، الاخ بيتكلم رواندي.. فلا يحيدهم عن الكرسي اعتلال الصحة، ولا حتى الكرسي المتحرك، الا اللهم عزرائيل وحده هو الذي يفرق بيننا وبينهم!!
للاسف اخواننا العرب يجهلون القيمة الفكرية والثقافية والحضارية لدول الخليج العربي، فنحن يا سادة وبكل شرف من اكثر الدول العربية استفادة من ثورة التكنولوجيا، والتنمية الحضارية، وشعوب هذه المنطقة استطاعت بناء اقتصاد قوي قادر على المنافسة والمزاحمة، وتدعيم اقتصادها من خلال الاعتماد على مواردها الذاتية وتطويرها، علاوة على سيرتها الضابطة للممارسة السياسية الحقيقية والديمقراطية وحقوق الانسان، وهي ركيزة اساسية لحكام هذه الشعوب، والدليل على ذلك يبدو بارزا بشكل ملحوظ وبالذات في البحرين والكويت، واللتين تعتبران نموذجا عربيا.
ولا دليل اصدق من تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية والذي صنف كلا من البحرين والإمارات وقطر ضمن خانة الدول ذات التنمية البشرية العالية جدا، وكلا من الكويت والسعودية ضمن خانة الدول ذات التنمية البشرية العالية.
كما تعتبر دول الخليج من اكثر الدول استفادة من ثورة التكنولوجيا وتقنية الاتصالات من الهواتف الذكية laquo;البلاك بير والابلraquo; فيوجد في الامارات نصف مليون مستخدم للبلاك بيري وفي السعودية 720 ألف مستخدم وتستحوذ دول الخليج على 20% من انتاج جيل الهواتف الذكية في العالم، وللعلم ايضا فان عدد مستخدمي البلاك بيري في مصر يبلغ 200 ألف وفي لبنان 60 ألفا، اما في سوريا وليبيا والسودان فلا توجد هذه الخدمة.
كما يعتبر الخليج من اكثر الدول العربية تعاملا مع الانترنت واحتلت الإمارات المرتبة الأولى بالنسبة إلى عدد مستخدمي الإنترنت إلى عدد السكان، اذ بلغت 31.08 في المائة، تلتها قطر بنسبة 28.16 في المائة، الكويت 26.05 في المائة، البحرين 21.33 في المائة.
تلك مجرد ارقام واحصائيات ولكن المفيد هو أن الله سبحانه عزز في عقول ابنائنا قيمة الابداع الفكري، والبعد الثقافي فخرج بين ظهرانينا مفكرون ومثقفون امثال الدكتور محمد جابر الانصاري، غازي القصيبي، والدكتور احمد البغدادي وغيرهم، هؤلاء الكبار الذين نقبل الأرض تحت أقدامهم، اثروا الحقل الثقافي العربي بمؤلفاتهم وقدموا اسهاماتهم في الحضارة الفكرية للأمة.