صلاح منتصر

تسابقت وسائل الإعلام المرئية بصفة خاصة لتسجيل الحوارات مع الدكتور محمد مصطفى البرادعي، الذي طفا إلى سطح الأحداث كمرشح لرئاسة الجمهورية للنخبة المثقفة في مصر التي تضع الاهتمام الأول لها تعديل الدستور بما يسمح بمساحة أوسع من الديموقراطية، وفرص أكثر لمنصب الرئيس تحقق تداول السلطة. وقد فوجىء الدكتور البرادعي، على حد وصفه، بالعدد الذي كان يستقبله في المطار وإن كان يتوقع أن الأمن المصري سيمنع مستقبليه ويتعامل معهم، وأظن أنه لهذا لم يضع في اعتباره المرور وسطهم ويتركهم يعانقونه ويعانقهم، إلا أنه فوجىء بعد أن غادر المطار أن الأمن المصري لم يتعرض للمستقبلين وترك من يريد ان يدخل المطار او ينتظر في الخارج ويحمل الأعلام، وإن كان البرادعي قد ذكر في أحد الأحاديث أن شقيقته الدكتورة منى عميدة كلية الاقتصاد والسياسة سابقا لم يسمحوا لها برفع علم صغير لمصر، وهو قول مستغرب لأن معظم الذين كانوا يستقبلونه كانوا يرفعون علم مصر.
وقد جاءت نتيجة الحوارات التي أجراها البرادعي في غير مصلحته في رأي كثيرين ممن كانوا ينتظرون أن يحدثهم عن أفكار جديدة ومقترحات فيها رؤية مختلفة لحل مشاكل المواطنين المصريين الذين لم يعد يهمهم حصول البرادعي على نوبل بقدر ما يهمهم أن تكون له حلول لمشاكل الإسكان والفقر والبطالة والمرور والتعليم وغير ذلك من الهموم اليومية. لكن البرادعي لم يقدم فكرة واحدة جديدة، وما قاله لا يزيد كثيرا بل ربما يقل عن أي كلام يمكن أن يقوله اي مسؤول في الحزب الوطني، فالعشوائيات، قال البرادعي إن حلها في إنشاء فرص للعمل وإقامة مساكن جديدة لشاغليها(!) وعن زيادة الدخل القومي لمصر قال إن ذلك بزيادة الاستثمارات الخارجية والمدخرات الداخلية والاهتمام بالصناعة المصرية والتكنولوجيا والخدمات. وكما هو واضح فهي أفكار نظرية يمكن أن يقولها أي واحد مما جعل البرادعي يبدو أمام كثيرين أنه دخل امتحانا لم يذاكر ويستعد له جيدا. وربما كان ذلك بسبب سيطرة فكرة laquo;الأملraquo; على البرادعي واعتبار أن مجرد ظهوره يحقق هذا الأمل دون أن يقدم للجماهير ما يؤكد ويضمن لها صحة توقعاتها، فهو يريد توقيعها له على بياض.
يؤكد ذلك أن البرادعي يقولها صريحة انه لا يريد أن يؤسس حزبا جديدا لأن هذا يدخله على حد قوله في إطار رسمي لا يقبله، كما أنه يعارض انضمامه لأي حزب قائم لأنه يعتبرها ديكورا. أما كيف يصل إلى المنافسة على الترشيح فيقول إن ذلك يكون بالضغوط التي تمارسها طوائف الشعب من المحامين والمهندسين والأطباء وتوقيعها على بيانات وجمع توقيعات تطالب بالتغيير الذي يسمح له بالترشيح. laquo;لو الشعب عاوزني أنا مستعد أرشح نفسي لو فيه ضماناتraquo;، والملاحظ أن الدكتور البرادعي يعتمد فكره كلية على النخبة المثقفة، فهو لم يذكر أبدا العمال أو الفلاحين أو طبقات الشعب العادية ربما لأنه لم يقترب في تاريخه من هذه الفئات رغم أنها اليوم أصبحت الأغلبية!
وربما استغرب البعض الطريقة التي يتحدث بها البرادعي في تقطيع عباراته، وقد قلت لأحد الذين سألوني إن هذا يرجع في رأيي، الى أنه تعود لسنوات طويلة بحكم إقامته في الخارج أن يفكر ويرد بالطريقة الغربية، فلما جاء إلى مصر كان طبيعيا أن يفكر بالطريقة الغربية نفسها التي تعودها ويترجم أفكاره إلى العربية مما يمنع بالتأكيد تدفق عباراته!