ظافر محمد العجمي

انتهى موسم تسوق كاميرات المراقبة (Surveillance Monitor) في فنادق ومطار دبي، والبَوَربوينت (Power Point) في قاعات إيجاز الصحافيين، الذي افتتحه سعادة الفريق ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي، وكالعادة رافقت الافتتاح حملة تسويق إعلامية ضخمة حيث احتفت وسائل الإعلام الخليجية والعربية بالإنجازات التي حققتها كاميراتنا ووسائل إيضاحنا كنصرٍ مبين. وفي الوقت نفسه تناست تلك القنوات والصحف أن ما تم إنجازه حتى الآن لا يتعدى الفرضيات القابلة للنقض، وغير القابلة للاستخدام كدليل في المحاكم، فليس هناك إلا صور لأشخاص يرتدون نفس الماركة من النظارات الطبية. كما انقادت وسائل إعلامنا بسذاجة لتقع في الشرك الذي نصبه الموساد الإسرائيلي وهو خلق هالة جديدة من القدسية حول مغامرات ذلك الجهاز ورجاله بل ونسائه المخططين المبدعين والمنفذين الجسورين. ولم نكد نفيق من صدمة اغتيال المبحوح حتى عاجلنا وزير الاستخبارات في جمهورية إيران الإسلامية حيدر مصلحي واصفا عملية اعتقال زعيم حركة مقاومة الشعب الإيراني (جند الله سابقاً) عبدالملك ريغي بأنها عملية كبرى ذات أبعاد استراتيجية، نفذها جنود laquo;إمام الزمانraquo; المجهولون، عبر إرغام طائرة كان عبدالملك ريغي يستقلها في رحلة جوية من دبي إلى قرغيزستان على الهبوط في مطار بندر عباس. أما الخبر الثالث فهو توحيد الجهد الاستخباري لدول الاتحاد الأوروبي للعمل من خلال ثلاثة مكاتب مشتركة.
في القصور الأول ستر الفريق ضاحي خلفان الثغرة الأمنية في السياج الاستخباري الخليجي بجهد الكاميرات وبفصاحة البوربوينت، أما الثانية فلم يكن هناك من سبيل إلا إنكار الإنجاز الاستخباري الإيراني برمته، حيث تم الإعلان عن أن ما تناقلته وسائل الإعلام بهذا الشأن لا أساس له من الصحة. وأن ريغي توقف في دبي لمدة ساعتين فقط. أما القصور الثالث فما زلنا بانتظار تبلور موقف خليجي موحد في قضايا الأمن والاستخبارات.
يقال إن الأمن الحقيقي هو الذي تشعر به ولا تراه، ومع ما رافق عمليتي المبحوح وريغي من تطورات يتضح لنا غياب الأمن والشعور به معا، ليس من شوارع دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة بل دول مجلس التعاون كلها، حيث تجرحنا حقائق عدة منها أن دبي تعاملت مع مدفع الموساد بخنجر شرطة دبي فهل يتساوى جهاز الاستخبارات مع قوة الشرطة في الواجبات، ناهيك عن الحجم والخبرة والقوة؟
من جهة أخرى لم تكن عملية اختطاف البلوشستاني عبدالملك ريغي محصورة في الساعتين اللتين استغرقتهما المقاتلتان الإيرانيتان لإجبار طائرته على الهبوط، لقد سبقت ذلك جرائم عدة قامت بها الاستخبارات الإيرانية في دبي وتشمل التعقب والمراقبة غير المشروعة، وتوثيق اجتماعه مع عملاء لـ laquo;سي.آي.أيهraquo; كما اعترف الإيرانيون بالقيام بها.
لقد سبق أن حذرنا مما كشفته صحيفة laquo;هاآرتسraquo; الإسرائيلية في مايو الماضي أن عددا من ضباط الموساد والشاباك يعملون في الخليج العربي تحت شعار شركات أميركية وأوروبية تعمل في مجال الأمن والدفاع. وكيف أن ثقة الصحيفة المطلقة في وهن أجهزة الاستخبارات الخليجية دفعها لتفصح عن أسماء الشركات التي نراها كل يوم مثل AGT-technology وSTG - Sentry Technology Group، بل وأسماء الضباط الصهاينة فيها، والذين يضعون قتل أهلنا في فلسطين كمؤهلات أوصلتهم لرأس هرم هذه الشركات، مثل جيورا آيلاند Giora Island الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، وجنرال الاحتياط دورون ألموج Doron Almong، ثم قائد سلاح الجو الإسرائيلي سابقا إيتان بن إلياهو Etan Bin Elyahu، الذي ينحدر من أسرة إيرانية من مدينة المحمرة في الأحواز، بالإضافة إلى عشرات الضباط من خريجي الجيش الإسرائيلي، الذين استقالوا من الجيش، بالإضافة إلى كبار المسؤولين السابقين في الصناعات الجوية وفي جهازي الشاباك والموساد.
لقد تم الإعلان في الأسبوع الماضي عن نية الاتحاد الأوروبي لتوحيد جهود وكالاته الاستخبارية ليصبح جهدا واحدا. ونقول: ألم تقم الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لتعالج قضايا التعاون الأمني بين دول المجلس ولأجل منع مثل هذه الأحداث؟ ألم يتم التوقيع على إعلان مسقط بشأن مكافحة الإرهاب عام 2002م.. ألم يحن الوقت لمكافحة إرهاب الدول وجواسيسها كإسرائيل وإيران؟
إن ما جرى يؤيد الحاجة الماسة إلى المخابرات الوقائية للتعرف على نشاط العملاء السريين والسيطرة عليه، والتوسع في الاستخبارات التكنولوجية التي تتعدى كاميرات الفنادق. ولن يكون ذلك بمقدور دولة خليجية واحدة بل من خلال جهد جماعي.
لتبرير القصور الاستخباري الخليجي ينقاد البعض لعمليات ربط ساذجة بين اغتيال الموساد للمبحوح وتفريط الأميركان في عبدالملك ريغي كتبادل الخدمات بين الطرفين، لكن حقيقة الأمر إن ما جرى كان رسالة استخبارية من طهران ليست للإماراتيين ولا للخليجيين بل للغرب وإسرائيل بأن الخليج العربي ليس ملعباً لكم وحدكم!
بقي أن نقول إنه في ألمانيا النازية كانت مدرسة التجسس تقوم بالتخلص من رجال الاستخبارات الفاشلين في التعليم الاستخباري بعد إهدار الأموال الطائلة عليهم بإرسالهم في مهمات إلى أرض العدو تضمن فيها القبض عليهم وشنقهم، فهل حان الوقت لإرسال بعض من فشلوا في رد الاختراق الاستخباري الإيراني والإسرائيلي في مهمات إلى طهران وتل أبيب؟