محمد مساعد الدوسري

تجاوزت قضية اغتيال القيادي في حركة حماس الفلسطينية محمود المبحوح، كل التوقعات لدى المتابعين لما يجري في إطار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والذي تحول إلى البحث عن ساحات معارك جديدة، وقعت دبي للأسف ضحيته في هذه القضية، إلا أن ما تكشّف خلال الأيام القليلة الماضية التي أعقبت الاغتيال من خيوط في هذه الجريمة، أدى إلى تثبيت وقائع طالما كانت موجودة، إلا أنها لم تجد الحسم في الجدل الدائر حولها لدى النخب العربية والفلسطينية.
إن ما يمكن اعتباره أمراً أكثر خطورة من اغتيال المبحوح، هو ما أبرزته هذه الواقعة، إذ جاء هذا الاغتيال ليثبت واقع الدول العربية المخترقة من أجهزة الاستخبارات العالمية، ولا يعني هذا التقليل من جهود أجهزة الأمن في إمارة دبي بتصديها لكشف ما جرى في هذه العملية، إلا أن القضية أوسع نطاقاً من حصرها بين جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) والسلطات الإماراتية وlaquo;حماسraquo;. فالنزوع الإسرائيلي إلى اختراق الأمن العربي يبرز هشاشته، فضلاً عن أنه يقدم دليلاً جديداً على خيالية النظرة العربية التي ترى إسرائيل دولةً يمكن أن تتعايش مع محيطها بسلام قائم على احترام المواثيق فقط، بلا معادلة توازن القوى بينها، وبين الدول العربية، بعدما تكشفت العديد من قضايا الجوسسة التي تقوم بها حتى تجاه ربيبتها أميركا، أو مصر التي كانت أولى الدول العربية توقيعاً لاتفاقية سلام معها.
التورط الكبير الذي وقعت فيه غير دولة أوروبية خلال هذه الجريمة، كشف بدوره سقوط النبرة الأخلاقية التي تتحدث بها تلك الدول، فأوروبا كما عوّدتنا دائماً كانت أكثر الدول انتقاداً للإرهاب، كما أنها ألمحت إلى بعض الدول العربية، بطريقة أو بأخرى، أنها تتمايز عن الدور الأميركي الداعم لإسرائيل بلا حدود. إلا أن المواقف الأوروبية المتواضعة تجاه ما ارتكبته إسرائيل تحت ستار هذه الدول تثير الريبة، وتشكك في مدى تورطها بالتآمر مع إسرائيل، ما يجعل أي إنسان عادي يجزم أنها على صلة بما حدث في هذه القضية، فهذه الدول، بالإضافة إلى أميركا، هي من سعى -في الأصل- للقضاء على حركة حماس، بدءاً بتهميشها، مروراً بتحجيم مشاركاتها الدولية، وانتهاء بالسكوت، بل والمساعدة على حصار مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة، بدعوى تمرد laquo;حماسraquo;، ما يجعل الأمور أكثر وضوحاً للمتأمل في اغتيال المبحوح والدور الأوروبي فيه.
إن ما تناوله الإعلام العربي خلال الأيام القليلة المنصرمة من قصص وروايات ومواقف، بخصوص هذه القضية، كان أكثر كارثية مما تم ذكره أعلاه، إذ إن الإعلام العربي بات متلقياً لما يُبث في الإعلام الإسرائيلي، معتبراً ما يأتي من هناك مُسلّمات لا تقبل الشك، بل إن بعض العرب يزايد في ذلك، واصفاً الإعلام الإسرائيلي بأنه أكثر مهنية وصدقية من الإعلام العربي مجتمعاً، وهو موضوع قابل للتصديق متى ما كان يُنشر في هذا الإعلام الإسرائيلي يتعلق بقضايا إسرائيلية داخلية بحتة،
لا علاقة للعرب والصراع معهم بها، أو قضايا دولية لا توجد مصلحة إسرائيلية واضحة تتداخل معها، أما الاعتقاد بأن هذا الإعلام صادق، ولا يقبل الشك في قضايا الصراع الإسرائيلي - العربي، فذلك هو الغباء بعينه.
ما تناثر من قضايا متفجرة على هامش جريمة اغتيال المبحوح يجب أن يجد من يتولاه بنظر الاعتبار، فرب ضارة نافعة تعيد إلينا العقل والتوازن ومعرفة وقائع الأمور كما هي بلا تزييف أو رتوش،
أما مطاردة قَتَلة المبحوح، فهي كالبحث عن مجرم في وسط غابات مكتظة بالسفاحين والقتلة المتضامنين معه، على أن الرد يجب ألا يأتي من جانب laquo;حماسraquo; فقط، فهي خسرت قيادياً يمكن تعويضه، بينما خسرت الدول العربية كثيراً في تفريطها بأمنها القومي المُستباح من جانب إسرائيل، ومن خلفها دول كثيرة لا تجد غضاضة في تغطية آثار جرائم هذه الدولة متى ما تبيّنت أفعالها القبيحة، فإن لم يكن الرد عربياً، فأبشروا بقائمة طويلة من الجرائم الإسرائيلية التي سترتكبها على مرمى حجر من مباني بعض أجهزة المخابرات العربية.