فائز صالح جمال

أذكر أن جامعة الدول العربية أصدرت قراراً بكسر الحصار المضروب على غزة ، حتى قبل العدوان الأخير عليها وعلى أهلها أواخر عام 2008م ، الذي يجعل الحاجة لكسر الحصار أوجب وأكثر إلحاحاً ، لتمكين مشاريع إعادة الإعمار ، والتأهيل ، وإزالة آثار العدوان المادية والمعنوية..
وأذكر أن هذا القرار بث في نفوسنا بصيصاً من أمل ، وقلنا لعلنا على أبواب مرحلة جديدة ، غير مرحلة (الاستسلام) الاستراتيجي ، ولكن فيما يبدو يأبى بعض المسؤولين العرب إلاّ أن يؤكدوا لنا بأننا لا زلنا في مرحلة الاستسلام ، وتسليم زمام الأمور لغيرنا ، وأن يزيدونا إحباطاً على إحباط ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ..
بعض الإحصاءات تشير إلى أن الحصار تجاوزت أيامه الألف يوم ، وأن حالات الوفاة بسببه بلغت 356 ، والحالات المرضية الخطرة 6200 حالة ، وأن نتائج العدوان كانت 1400 شهيد ، و20 ألف بيت مدمر ، و50 ألف عائلة بلا مأوى ، وأصبح 85% من سكان القطاع تحت خط الفقر ، و90% من المياه ملوثة ..
هذا الحصار الذي رفضته واعترضت عليه دول وحكومات غربية غير مسلمة ، فهو حصار لأكثر من مليون إنسان ، شعب كامل ، بشيوخه وأطفاله ، بنسائه ورجاله ، بمرضاه وأصحائه ، بفقرائه وأغنيائه ، حصار يعطل كل مظاهر الحياة الطبيعية ، حصار لا يقتصر على الجانب السياسي ، وإنما يشمل الجوانب الاقتصادية ، والاجتماعية ، والعلمية ، والعلاجية ، وتطال آثاره كل شيء.
كل هذا فيما يبدو لم يحرك مشاعر وإنسانية المجتمع الدولي ndash;وعلى الأخص الدول العربية والإسلامية- ، ولا المنظمات الدولية ، ولا حتى الشعوب ، بالقدر الذي يؤدي إلى فك هذا الحصار الظالم ، ومنح الشعب الفلسطيني ndash;وهو الوحيد في العالم الذي يرزح تحت الاحتلال منذ إنشاء هذا الكيان الغاصب في عام 1948م- حريته ، وحقه في العيش الكريم ..
يعتب بعض العرب على حماس في لجوئها إلى غيرهم طلباً للدعم السياسي والمادي ، في حين أنهم لاشك يتذكرون ما قاله قائلهم عند غزو العراق للكويت في عام 1990م بأن من حق الكويت ودول الخليج الاستعانة حتى بالشيطان لحماية بلدانهم وشعوبهم ، وصد العدوان ..
حماس لم يُترك لها الخيار ، ولم تمنح سوى الموافقة على خيار الاستسلام الاستراتيجي ، وهو أمر يتنافى تماماً مع خط حماس ، كحركة مقاومة ، وسوف يُنهي شرعيتها ، ويُجهض مشروعها التحرري.
إن حماس لم تحظ بما يستحقه المقاومون ، والمقاتلون من أجل الحرية ndash;حسب التسمية الغربية- ، من تقدير ودعم ، وظلت تُحاصَر ويُضيّق عليها من قبل بعض أشقائها العرب ، بهدف إرضاخها ، وكسر شوكتها .
إن شوكة حماس ، وشوكة المقاومة عموماً في فلسطين ، موجهة أساساً لأعداء أمة العرب والمسلمين ، وكسرها في نظري هو كسر لأحد أهم تحصينات الأمة العربية والإسلامية ضد مشروع إسرائيل الكبرى ، الذي سوف يتمدد إلى مناطق جغرافية كبيرة ، قد تشمل مقدسات أخرى للمسلمين ، وهو أمر لا يخفونه ، ويعلنونه في مخططاتهم .
إن السعى لإضعاف حماس أو التضييق عليها ndash;في تصوري- لن يُجدي ، وإن حدث لا سمح الله ، ونجح من يريد إقصاءها في تحقيق هذا الهدف ، فإن شواهد التاريخ تقول بأن الفراغ الذي سيحصل بغيابها وغياب منهجها عن الساحة سيتم ملؤه بغيرها لا محالة ، وقد يكون القادم أكثر حدة وتشدداً ، وذلك لسبب بسيط وهو عدم زوال أسباب نشوء حماس كحركة مقاومة ، وهو استمرار الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين.
المؤسف أن ذاكرة لجنة المتابعة العربية التي وافقت الأسبوع الماضي على إجراء مفاوضات غير مباشرة -عبثية- ، لم تستحضر رد شارون رئيس وزراء العدو الإسرائيلي الهالك على المبادرة العربية في عام 2002م باجتياحه الضفة الغربية بالكامل ، وكررت نفس الخطأ ، فجاءها الرد من نتنياهو بالاعلان عن عزم حكومته على إنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية ، وأيضاً بشّرهم بأن موضوع المستوطنات قد تم تسويته مع الجانب الأمريكي ، وأصبح جزءاً من التاريخ ..
إن الشعوب العربية والإسلامية بذاكرتها ووعيها الجمعي ، يمكنها التعرف على الأسباب التي تقف وراء هذا الموقف السلبي للأنظمة العربية والإسلامية مما يجري في فلسطين ، والقدس ، وغزة ، على مدى السنوات الماضية ، ولن تصمد أي أعذار يمكن التذرع بها أو التستر وراءها ، وقبل ذلك كله الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وكلنا محاسب بقدر ما آتاه الله من قدرة على النصر .. فإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر .. وهل نصرة فلسطين وبيت المقدس وأهلها إلاّ نصرة للدين ؟؟
والرسول صلى الله عليه وسلّم حذرنا من خذلان المسلمين .. من خذل مسلماً خذله الله في الدنيا والآخرة .. فإلى متى سنظل في موقع المتفرج على ما يجري لإخواننا في فلسطين ، والقدس ، وفي غزة تحديداً ؟؟