خيرالله خيرالله

احتفل اللبنانيون على طريقتهم بذكرى مرور خمسة أعوام على يوم الرابع عشر من آذار. كان الاحتفال، الذي شاركت فيه مئتان وعشرون شخصية وطنية أصدرت بياناً في غاية الجرأة والوضوح، دليلاً على أن الذكرى باتت راسخة في العقول والقلوب والضمائر، وأن ما بدأ في ذلك اليوم من العام 2005 عبارة عن مسيرة طويلة لا يوقفها شيء. إنها مسيرة الاستقلال الثاني الذي جسدته laquo;ثورة الأرزraquo; بكل ما تعنيه من تضحيات ورفض لأي نوع من الوصاية والانصياع للخارج. وضع البيان الصادر عن لقاء الشخصيات الوطنية اللبنانية الخطوط العريضة لحماية لبنان في مواجهة المخاطر التي تتهدده. قال صراحة ما يجب قوله هذه الأيام بالفم الملآن: laquo;على لبنان السعي إلى ألا يكون منطلقاً لاشعال فتيل الانفجار، أو شرارة الحرب انطلاقاً من أراضيه تحت أي ذريعة من الذرائعraquo;. بكلام أوضح، هناك إسرائيل التي تبدو على استعداد لاستغلال أي ذريعة يوفّرها لها laquo;حزب اللهraquo;، أو أي ميليشيا أخرى فلسطينية، أو تتلحف بعباءة فلسطين لشن حرب شاملة على الوطن الصغير. كل ما فعلته laquo;حركة الرابع عشر من آذارraquo; أنها حذرت من أي مغامرات على حساب لبنان، ودعت من دون مواربة إلى تفادي تدمير لبنان.
المسيرة مستمرة. كان الذين نزلوا الى الشارع في الرابع عشر من آذار 2005 ينتمون إلى كل الطوائف والمذاهب والمناطق، وكانوا من كل الطبقات الاجتماعية. نزل هؤلاء في تظاهرة ملوّنة رداً على تظاهرة laquo;حزب اللهraquo; التي سارت في شوارع بيروت يوم الثامن من آذار تحت شعار laquo;شكراً لسوريةraquo; بغية تأمين غطاء لبقاء الوجود السوري المسلح في لبنان رغم اغتيال رفيق الحريري. إلى الآن لا يزال السؤال لماذا ينظم laquo;حزب اللهraquo; والتابعون له تظاهرة تحت شعار laquo;شكراً لسوريةraquo; بعد ثلاثة أسابيع من اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، لماذا كان مطلوباً laquo;شكر سوريةraquo; في تلك المرحلة؟ والمعني بسورية هنا، النظام السوري وليس سورية كسورية، أو الشعب السوري الشقيق الذي لم تكن له لديه مشكلة مع لبنان واللبنانيين في يوم من الأيام.
أكدت laquo;حركة الرابع عشر من آذارraquo; مرة أخرى أنها موجودة، وأنها تعرف ماذا تريد. ردت بشكل قاطع على الذين يتصرفون حالياً وكأن يوم الرابع عشر من آذار 2005 لم يكن، وأن أحداث الأعوام الخمسة الأخيرة كانت كفيلة بمحو هذا التاريخ من الذاكرتين اللبنانية والعربية.
كان الرابع عشر من آذار، عندما نزل ما يزيد على مليون لبناني إلى الشارع البيروتي، مفاجأة حقيقية نظراً إلى أنه كشف للعالم أن هناك شعباً لبنانياً يمتلك بأكثريته الساحقة طموحات موحدة ورؤية واضحة للبلد ودوره. أكثر من ذلك، كشف يوم الرابع عشر من آذار 2005 أن لبنان بلد موجود وأنه ليس صنيعة الاستعمار كما يدعي المتشدقون بالعروبة. إذا كان لبنان صنيعة الاستعمار، ما الذي يمكن قوله عن الدول الأخرى في المنطقة، بما في ذلك سورية، من رسم حدود كل هذه الدول؟
لو كان لبنان بلدا مصطنعاً والوضع فيه هشاً حقيقة، كيف يمكن تفسير صموده كل هذه الأعوام في وجه ما يتعرض له من تدفق سلاح ومسلحين إلى أراضيه بغرض واحد هو ضرب الصيغة اللبنانية وتدمير مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى. لن نعود إلى laquo;اتفاق القاهرةraquo; المشؤوم في العام 1969 الذي ألغاه مجلس النواب اللبناني قبل ربع قرن، والذي لا يزال النظام السوري متمسكاً به من منطلق أنه يؤمن له غطاء لإغراق لبنان بالسلاح والمسلحين. يمكن الاكتفاء بما شهدته الأعوام الخمسة الأخيرة لاعطاء فكرة عن أهمية يوم الرابع عشر من آذار 2005 من جهة، وقدرة اللبنانيين على الصمود ومتابعة المقاومة بصدورهم العارية من جهة أخرى.
في الأعوام الخمسة التي تلت اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، شهد لبنان سلسلة من التفجيرات والاغتيالات استهدفت الشرفاء في لبنان من رموز الرابع عشر من آذار وlaquo;ثورة الأرزraquo;. تعرض لبنان لحرب إسرائيلية صيف العام 2006. كان معروفاً من افتعل تلك الحرب ولماذا كان افتعالها. استهدفت تلك الحرب تدمير جزء من البنية التحتية للبلد وإعادته ثلاثين عاماً إلى خلف. وقد استكمل laquo;حزب اللهraquo; وقتذاك بأدواته المعروفة، على رأسها النائب ميشال عون، عملية تدمير الاقتصاد اللبناني عن طريق الاعتصام في وسط بيروت بغية القضاء على الحياة في المدينة ونشر ثقافة الموت في كل أنحاء لبنان. صمد لبنان ولا يزال يقاوم. قاوم العصابة الإرهابية التي أرسلت من الأراضي السورية إلى مخيم نهر البارد الفلسطيني. قاوم غزوة السابع من مايو 2008 التي استهدفت أهل بيروت والجبل. وقاوم السلاح المذهبي الذي تتحكم به إيران والموجه إلى صدور كل حرّ في الوطن الصغير.
رغم كل الأخطار التي تهدد اللبنانيين لا يزال هناك من يرفض العودة إلى نظام الوصاية. لا يزال سعد الدين رفيق الحريري يتحدث بلغة اللبناني العربي الحر الذي يؤكد مع حلفائه، الذين صمدوا في وجه كل أنواع الحملات، أن لبنان يتعاطى مع الآخرين من منطلق الندّية. تلك رسالة الرابع عشر من آذار. هذه الرسالة لن تموت مهما بلغت درجة التهديدات وحملات الترهيب... لبنان لن يموت. لبنان يلوى ولا ينكسر. بين الرابع عشر من آذار 2005، والرابع عشر من آذار 2010، لا يزال لبنان يقاوم. كان الحدث الذي شهدته بيروت قبل خمسة أعوام نقطة تحول على الصعيد الوطني والإقليمي. لو لم ينزل اللبنانيون إلى الشارع قبل خمسة أعوام، لما كان في استطاعة مئتي وعشرين شخصية وطنية إصدار البيان الذي أصدرته الأحد الماضي والذي يحدد بوضوح الأخطار التي تهدد لبنان وكيف مواجهتها. المؤسف أن هناك من لا يريد أخذ العلم بذلك نظراً إلى أنه غير قادر على استيعاب أن رفيق الحريري لم يقض في حادث سير ولم يمت في فراشه جراء سكتة قلبية!