يوسف الكويليت

كثيرون كتبوا ونشروا عن ظاهرة العنف بالعراق، وأنه لا حكم فيها إلا للدكتاتوريات طالما سيادة القانون يحل بديلاً عنها التسيب والولاءات المتعددة، غير أن هذا المنطق لا يستقيم بكليته إذا عرفنا أن الحكم الملكي أبرز دور البرلمان بشكل جعله ممثلاً أطياف العراق كلها حتى من الطائفة اليهودية.

الانتخابات الأخيرة فتحت باب المزايدات والتهديدات والاتهامات الصريحة لمفوضية الانتخابات، لكن هذه الاحتجاجات لم تظهر إلا عندما رجحت كفة تحالف على آخر، وقد كشفت الوقائع ضعف التأسيس الواقعي للقبول بالنتائج دون طعون أو تلفيقات للمفوضية التي لم يعترض على تشكيلها أو تكليفها أي من أطراف القضية، ما يسقط حجة التزييف باعتبار أن الكل ممثل في مراقبة سير الانتخابات إلى جانب عناصر عربية وأجنبية..

إعادة الانتخابات بالفرز اليدوي، كما يطالب به رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، تعني فرض السلطة على القانون، والعراق ليس بحاجة لتفجير المواقف طالما لا يزال ينزف ويعيش حالات اللاأمن تحت سلطة الاحتلال ونفوذ قوى إقليمية وخارجية، والمؤسف أن الذين تفاءلوا بمسار جديد لعراق يولد بأدوات ومفاهيم الوحدة الوطنية، أصبحت مفاجآت ما بعد الانتخابات ترعبهم وكل الفئات، أي أن دخول السلطة في صلب العملية عكس الاتجاهات، حيث إن القبول بنتائج الانتخابات لا بد أن يخضع لقوة واحدة، وهذا عسف لاختيار شعبي ينظر إلى الاقتراع على أنه الوسيلة التي تنقذه من الغرق في الطائفية والعشائرية والمذهبية..

ثم لماذا لا نحترم إرادة الشعب، ونعطي الثقة والصدق لمفوضية الانتخابات مادام الجميع أقر بتكليفها واستقلالها واعتبارها مسؤولة أمام البرلمان وحده دون أي تدخل من عناصر الاقتراع والمتسابقين للكراسي الأمامية ؟!

في العالم المتقدم وحتى في دول مثل الهند، لا نجد مبرراً للتشكيك أو الاتهام لمن يقوم بدوره داخل العملية الانتخابية، والنتيجة:إقرار دون اعتراض، ولعل التجربة والنضج واحترام إرادة الناخب هي الوسائل التي وضعت الفارق بين العالم الأول والثالث عندما تسير الأمور بسلاسة وثقة.

ورغم أن العراق يخوض تجربة جديدة، تمثل بدايات لا بد أن تفرز سلبيات كبيرة، إلا أن الدلائل أوجدت قناعة يترجمها المواطن الذي فرض قوة مواطنته على أي انتماء آخر، وإلا كيف تجمع فئات المجتمع على ترشيح شخص ليس من طائفتها، أو العكس ممن تتمسك بها كمنهج وحاجز ضد الآخر؟!

الخطورة لو حدثت انشقاقات واختلافات حول تشكيل الحكومة، وانقسم الجيش وقوى الأمن، وعاد تشكيل المليشيات الطائفية، وثبت عجز الكل عن وقف التطورات الخطيرة لنزول تلك العناصر للشارع، وسادت الفوضى، هنا فقط لن يجد أي من المتسابقين سنداً يرفده ويعيد له القوة في ضبط الأحداث، وحتى الحكومة القائمة ليس بيدها أن تستطيع إبقاء وحدة أجهزة الأمن إذا ما تشعبت الولاءات وكل ذهب إلى ما يزعم أنه درع وقائية من الخصم..

عموماً لا يزال شيء من التفاؤل قائماً إذا ما أدرك قادة العراق أنهم على سفينة واحدة، فإما أن ينجو الجميع، أو يغرقون معاً..