محمد الحمادي
بماذا يمكن تفسير فتوى quot;هدم الحرم المكيquot; غير أن هناك هوساً يعاني منه بعض رجال الدين وبعض المتدينين وبعض الأحزاب الدينية؟! إن كل شيء له علاقة بالمرأة في المجتمع يربطه أولئك المتدينون بالجنس. وهذه مشكلة ليست حديثة بل قديمة جدا لكنها للأسف مستمرة، فقد كانوا يرفضون تعليم البنت خوفا من الاختطاف أو الاغتصاب. وكانوا يقفون أمام عمل المرأة خوفا من الخلوة بزميل عمل أو عميل أو التورط في quot;علاقة غير أخلاقيةquot;... وما يزال بعضهم يرفض قيادتها للسيارة خوفا من أن يؤدي ذلك إلى طريق الرذيلة والخطأ! فما هذا الجنون؟
منذ أيام خرج علينا ما يقال إنه شيخ علم ودين وأفتى بهدم المسجد الحرام في مكة المكرمة وبناء آخرَ، وذلك تجنبا للاختلاط بين الرجال والنساء فيه. ومثل هذه الفتوى تعطي انطباعا وكأن علماء القرن الحادي والعشرين يعرفون الإسلام أكثر من نبي الإسلام والسلام محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لم يفكر في هدم الحرم وبنائه بالطريقة quot;العبقريةquot; التي يدعو إليها هذا الفقيه. ولا الخلفاء الراشدون الأربعة من بعده طرحوا هذه الفكرة quot;الجبارةquot;، ولا الأئمة الأربعة، الشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة ومالك، ولا ابن تيمية من بعدهم... لم نسمع أن أحداً منهم دعا هذه الدعوة الشاذة، فما الذي أدى الآن إذن إلى إصدار هذه الفتوى الغريبة!؟
لا شك أننا نعيش زمن quot;المتفرغينquot; الذين يبحثون عن الأمور الغريبة والمستهجنة ويركزون عليها، أما القضايا الجادة التي تعاني منها المجتمعات والأفراد فلا نسمع لهم فيها رأي إلا تلك التي لها علاقة من قريب أو بعيد بالجنس، فهي دائما محل اهتمام ودراسة وبحث واجتهاد بالنسبة لهم!
منعا للاختلاط بين الرجال والنساء في الحرم المكي، فإن الشيخ يوسف عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام، ومن خلال مداخلة مع إحدى القنوات الفضائية، أفتى بـquot;هدم المسجد الحرام بشكل كامل وإعادة بنائه من عشرة أو عشرين أو ثلاثين دوراً، بحيث يؤخذ في الاعتبار الفصل بين الرجال والنساء فيهquot;. ما أسهل هدم المسجد الحرام عند من تعودوا الهدم بدل البناء فاستسهلوا حتى هدم المسجد الحرام! أما التراجع عن الفتاوى فهو أمر لم يعد صعبا والحجة والعذر أن هناك من حرف فتواه ومن قصد الإساءة إليه. وفي هذه الفتوى رد الشيخ على منتقديه بأن كل ما طالب به هو إعادة توسعة المطاف ليستوعب أضعاف العدد الحالي من المصلين، متسائلاً: quot;هل يعقل أن يطالب أحد بهدم المسجد الحرام؟quot;.
هذه الفتوى أساءت لهذه الأمة برجالها ونسائها... وكأن ملايين المسلمين عندما يذهبون إلى الحرم منذ مئات السنين لا هم لهم إلا التفكير بالجنس الآخر. فقد ترك المسلمون كل بقاع العالم ولم يجدوا إلا أقدس البقاع ليرتكبوا فيها المعصية؟! وتجب محاسبة هذا الشيخ على هذه الفتوى لأنه لم يحترم مشاعر أولئك الحجاج والمعتمرين الذين يقطعون آلاف الأميال ويصرفون مدخراتهم من أجل أيام يقضونها في مكة المكرمة ويأتي quot;شيخquot; بكل بساطة ليطعن في إيمانهم ونيتهم وسلوكهم في البيت العتيق. ونتساءل: أين موقف العلماء من هذه الفتاوى، وما دورهم في منع إطلاقها؟!
هل يعقل أنه ما زال هناك من يريد أن يحول هذه المجتمعات إلى مجتمعات ذكورية أو أنثوية quot;شاذةquot;، وكأن الاقتراب بين المرأة والرجل ما هو إلا الشر والخطر والخراب؟! حقا لا نفهم كيف يفكر بعض رجال الدين، ولا نفهم نظرتهم للبشر وعلاقاتهم. ربما يعتقدون أن من يأتي إلى الحرم الشريف لا يفكر إلا في الخطيئة وهذا بلا شك غير صحيح، وإن وجد من يفعل ذلك فإن الأغلبية تذهب في هذه الرحلة الروحانية لتجدد إيمانها وليس للنظر إلى النساء.
متى يكون علماء الدين على قدر المسؤولية ولا يطلقون الفتاوى بدون تفكير... فبعد فتوى quot;رضاعة الزميل في العملquot; سمعنا فتوى quot;تحريم ميكي ماوسquot; وقبلهما الكثير وبعدهما ربما أكثر... وأخيرا فتوى الأحمد لهدم الكعبة! ألا يعرف هؤلاء أنهم يخوضون في أمور تؤثر في حياة الناس وتعكس صورة سيئة عن الإسلام وتجعل أعداء الدين يتصيدونها ويستغلونها للهجوم على الإسلام؟! ألا يعرفون أن هذا النوع من الفتاوى هي quot;فتنةquot; تفرق بين الناس وتكشف مستوى تفكير بعض علماء الدين؟!
إن هذا quot;التهورquot; والتعالي في إصدار الفتاوى وفي التعامل مع عقول المسلمين أمر يثير الاستغراب.. كما أن التقليل من شأن من يرفضها واحتقار من يختلف معها ليس من أخلاق علماء دين الإسلام، فمن أين ينطلق بعض علماء القرن الحادي والعشرين في فتاويهم وإلى أين يريدون الوصول من خلال إطلاق تلك الفتاوى في الفضائيات التي تصل إلى مختلف الشرائح في المجتمع؟ إن هذه الفتوى تؤكد من جديد أن مشكلة الإسلام في بعض علمائه الذين ابتعدوا عن جوهره وتمسكوا بظاهره.
في أوروبا القديمة منذ أكثر من 1500 سنة كان الأوروبيون يبحثون عن إجابة لسؤال حيرهم طويلا وهو quot;هل المرأة إنسان أم لا؟quot;، وفي سلوك بعض علمائنا يبدو كأن هذا السؤال ما يزال حاضرا. فمن خلال فتاوى بعضهم ومواقف بعضهم الآخر من المرأة يبدو وكأنهم ما يزالون يشكون في أن المرأة إنسان كالرجل لا ينقصها شيء. أما باقي الأمور فلم يقل الشرع أو الدين أو العقل أو المنطق أن المرأة أقل فيها من الرجل بل على العكس فإن الإسلام أوصى بالمرأة وعزز مكانتها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشاورها منذ اليوم الأول للرسالة... فمتى يغير بعض رجال الدين نظرتهم للمرأة؟ ومتى ينظرون إلى علاقة الرجل مع المرأة باحترام مبني على التعامل معها كإنسان يمكن أن يمارس أدوراً كثيرة بالإضافة إلى دورها الطبيعي كأنثى..؟!
التعليقات