زايد الزيد

أن تستعين حكومة دولة الكويت، أو حكومة أي دولة أخرى، باستشارات من مؤسسات خارجية مستقلة، فهذا أمر مشروع، لذا لم يعترض، أو ربما لم يشكك أحد بالنوايا والأسباب التي دفعت حكومتنا (الرشيدة)، منذ العام 2008 الى الاستعانة بخدمات رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، لتقديم تصوراته ورؤيته لمكامن الخلل والضعف الذي تعاني منه الحكومة وجهازها البيروقراطي، مقابل مبلغ مالي معلوم، هذا كله أمر لا بأس به، صحيح أن الأمور المالية في مثل هذه الاتفاقات، تتعامل معها حكومتنا laquo;الرشيدةraquo; بكثير من التكتم، ولكن من فضل الله علينا، أن شفافية الغرب، هي التي تكشف لنا الأرقام المالية الحقيقية، في صفقاتنا التي نعقدها عندهم أو معهم، حدث هذا في مشروع الشراكة غير المأسوف عليها مع laquo;الداو كيميكالزraquo;، وحدث في صفقة طائرات laquo;الرافالraquo; الفرنسية، وحدث أيضا في اتفاقنا مع استشارات بلير.

بلير شخّص مشاكل الجهاز الاداري بدقة، وفي نظرته للموازنة العامة للدولة، اعتبر أن أكبر مشكلة ستواجهنا في المستقبل القريب، هي النمو المتسارع للنفقات العامة، ولكن بلير للأسف لم يعط قضية الفساد في المشروعات الكبرى عندنا، حقها في الرصد والتحليل، حيث المبالغة في أسعار مشاريعنا، بالمقارنة مع مثيلاتها، حتى في دول محيطنا، التي تغيب عنها الرقابة الشعبية، ومعروف عنها الفساد المزمن.

الأمر المفاجئ لنا، أن بلير انتقل بقدرة قادر، من دوره كمستشار، إلى مرحلة التدخل في الادارة، وهي مسألة في غاية الخطورة، وهذا ما كشف عنه اعلان يتيم بلغت مساحته نصف صفحة، نشر باللغة العربية في احدى الصحف اليومية عندنا، كما نشرت اعلانات مماثلة له باللغة الانكليزية، في صحف ومجلات أجنبية.

الاعلان كشف عن إنشاء أجهزة حساسة للغاية، ضمن ديوان مجلس الوزراء، ويهدف الاعلان إلى اختيار وتعيين الطاقم اللازم لتلك الأجهزة، من موظفين كويتيين وغير كويتيين! الاعلانات نشرتها شركتا اي دبليو كي انترناشيونال (EWK )، وMichael Page International والشركتان متخصصتان في توفير الموارد البشرية، الإعلان أشار إلى إنشاء خمس وحدات سنذكرها حرفيا كما جاءت صياغتها في الاعلان، وهي: (وحدة الاستراتيجية، وحدة السياسة، وحدة التسليم، وحدة الاتصالات ووحدة المعلومات)، وتتصدر الاعلان عبارات من شاكلة : laquo;فرص عمل رائعة لدى حكومة الكويتraquo;، laquo;انضم الى فريق من مستوى عالمي في قلب الحكومة الكويتيةraquo; ، laquo;أجور ومنافع ممتازة لجذب أفضل المرشحينraquo;.

المعلومات المتوافرة لدينا تقول ان فريق بلير أو فريق laquo;حكومة الكويت الخفيةraquo;، لا فرق، قام بمقابلة عدد كبير من المتقدمين، وتم اختيار مجموعة من المرشحين للعمل ضمن الفريق ليتم قريبا تدشين مرحلة laquo; الحكومة الخفيةraquo;.

والسؤال كيف لنا أن نسمح بأن ينتقل دور بلير من الدور الاستشاري إلى الدور التنفيذي؟ وكيف يمكن أن يتعامل مجلس الأمة مع فريق أجنبي له سلطات تنفيذية يدار بالريموت من لندن؟

بقيت نقطة مهمة جديرة بالتثبيت، وهي أن الإعلانات التي أشرنا إليها، نشرت في منتصف يناير الماضي، والشيء الغريب أن هذا الأمر لم يحظ بأي تعليق أو إشارة، وبالتالي خلا من التفاعل. فهل نحن شعب ميت؟!