عادل عبد الرحمن عمر

كتب الاستاذ طاهر العدوان مقالا محكما كعادته بعنوان quot;من السودان الى العراق ديمقراطية عجايبquot; ... ولما كان المقال به بعض ثغرات نتيجة الاحباط من الواقع العربي ... اردت ان أضيء بعض النقاط المعتمة خاصة ما يلي السودان في ذلك المقال الذي عقد فيه مقارنة بين الحالة السودانية والحالة العراقية ... وهو نقد من باب المُحّب لقراءة صحافي مقتدر عزّت حروفه في هذا الزمان.

يعلم أستاذي جيدا ان الشعب السوداني العظيم يتمتع بحس سياسي عميق ... فهو صاحب الثورات السليمة في وجه الطغيان والديكتاتورية ... وقد انجز ثورتان شعبيتان ضربتا المثل للشعوب التي تتوق للحرية والانعتاق ... حاول اهل السودان في مؤتمراتهم الحوارية في بداية عهد الانقاذ الوطني ان يخرجوا من الدائرة المفرغة quot;عهد ديمقراطي حافل بالفشل يعقبه انقلاب عسكري شموليquot; وعّت ثورة الانقاذ الدرس فبدأت منذ ايامها الاولى في معالجة بعض القضايا في الحكم ... فأنجزت الفيدرالية كصيغة مثلى لحكم السودان رغم ان بها بعض الاخفاقات التي تحتاج الى تفعيل واطلاق لمؤسسات الحكم لتفك ارتباطها بالمركز ... وينتهي الاحساس بالتهميش والمشاركة في السلطة والثروة.

السودانيون راسخون في العمل الديمقراطي ... الا ان الابتلاء الذي لازم الاحزاب في ممارستهم افضى الى مشكلات عديدة ... ورغم العلم الكامل بهذه المسائل الا ان احساس اهل السودان بالديمقراطية لم ينته بل يتجدد حيث وصل سجل الناخبين اكثر من 16 مليونا بنسبة 80 بالمئة ممن يستحقون التصويت.

قانون الانتخابات طوّر كثيرا ليتعامل مع المستجدات ... حيث اعتمدت الصيغة الرئاسية لحكم البلاد ومازج القانون بين الانتخاب الحر المباشر وصيغة التمثيل النسبي ... بحيث يمثل في المجلس الوطني كل الاحزاب مهما صغرت وقل الداعمون لها مع اعطاء المرأة نسبة مميزة تزيد على 25 بالمئة.

اما استحقاق تقرير مصير جنوب السودان في كانون الثاني 2011م أمر عقد عليه العزم في اتفاقية نيفاشا 2005م على ان يعمل طرفا الاتفاقية المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ان تكون الوحدة جاذبة. يدرك مخاوف الجميع من انفصال جنوب والمؤامرات التي تحاك في هذا الشأن ... وسعي الصهيونية العالمية للوصول الى ذاك الهدف الا انه اصبح من المستحيل ان تتصل الحرب اكثر من نصف قرن من الزمان ... ولا منتصر ولا مهزوما في هذه الحرب الا المزيد من الفقر والدمار والقتل والخراب وتبدو الاشارة من كاتبا مرموق جديرة بحث جميع كُتاب العرب ان يطالبوا المؤسسات العربية للتمويل للمساهمة في نهضة المواطن في جنوب السودان ليصوت في ختام الجولة لصالح الوحدة.

تبدو الاشارة في المقال لخطأ الناصرية بتركها السودان ليواجه مصيره أمرا تاريخيا تحاسب عليه الاجيال كما ذكرها - الاستاذ - بمرارة ... وعليه يبدو النداء ملحا للغاية ان تنهض كل مؤسسات الوطن العربي السياسية والثقافية والاقتصادية على العمل من دون انفصال جنوب السودان بغير تدخل في ارادة المواطن الجنوبي الذي لا بد ان يحس ان الكثير من الهواجس والمخاوف والاتهامات لا اساس من الصحة ... وهو مواطن من الدرجة الاولى الممتازة بفضل حكومته المنتخبة الجديدة بإعلاء قيم المواطنة وبث مفاهيم العدالة والحرية.

اما تهرب الاحزاب السياسية السودانية من الاستحقاق الانتخابي واحد من أعجب الحالات حيث ظلت المعارضة تطالب الحكومة بإطلاق الحريات وممارسة العمل السياسي على أقصاه والانتخابات مناسبة جيدة لذلك ... لكن بعض الاحزاب تهربت من هذا الاستحقاق ... بينما الاخرى آثرت المشاركة في الانتخابات ... وفي تقديري ان انتخابات السودان ليست احتفالية انما هو استحقاق دستوري مهم ... ومحاولة جادة للخروج بالسودان من حالة عدم الاستقرار السياسي الى أفق الممارسة الديمقراطية الراشدة!!!!!.