أحمد يوسف أحمد
تركت قمة سرت قضايا عديدة معلقة أحالتها للقمة الاستثنائية التي يفترض أن تنعقد في موعد غايته أكتوبر القادم، ومن ثم ينبغي أن ينشغل المهتمون بحاضر الأمة ومستقبلها بهذه القضايا على الأقل حتى موعد انعقاد هذه القمة. من هذه القضايا على سبيل المثال تدوير منصب الأمين العام للجامعة، ومصير المبادرتين اليمنية والليبية بإقامة اتحاد عربي، والنظام الأساسي للبرلمان العربي، والقمة الثقافية العربية، غير أن أكثرها أهمية وإثارة للجدل ربما يتمثل في مبادرة الأمين العام للجامعة الخاصة بإقامة quot;منطقة جوار عربيquot;.
في الجلسة الافتتاحية للقمة اقترح الأمين العام إقامة quot;منطقة جوار عربيquot; تضم الدول الأعضاء في الجامعة إضافة إلى تركيا وإيران والسنغال ومالي والنيجر وتشاد وإريتريا، على أن تبدأ بتوجيه الدعوة إلى تركيا لتكون نواة لبدء هذا التجمع الإقليمي الجديد. كما أكد على quot;أن يكون أساس دعوة الدول الأخرى توافق الدول الأعضاء في الجامعةquot;، وشدد الأمين العام على أن quot;إسرائيل لا مكان لهاquot; في هذا التجمع. وهو ما يعني منذ الوهلة الأولى جداراً سميكاً بين هذه المبادرة وبين كافة المبادرات الشرق أوسطية الوافدة من خارج النظام العربي، والتي لم يخرج الهدف منها عن استتباع الدول العربية المعنية لقوى الهيمنة التي صدرت عنها هذه المبادرات، وquot;تطبيعquot; وضع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
وقد أثارت هذه المبادرة جدلاً واسعاً بين مؤيد لها ومعترض عليها. والواقع أنها إن تحققت تجلب للعرب عدداً من المنافع لاشك فيها. ولا ينبغي أن ننسى أولاً أن علاقة العرب بجوارهم قد حفلت كثيراً وفي مراحل زمنية متباينة بالخلافات والنزاعات والصراعات، ولنتذكر من المغرب إلى المشرق حالة النزاع الموريتاني- السنغالي والليبي- التشادي والسوداني- التشادي، ومشكلة المياه بين تركيا من جانب وكل من سوريا والعراق من جانب آخر، والعلاقات العربية- الإيرانية المتوترة سواءً في عهد الشاه أو في أعقاب ثورة 1979 وغير ذلك الكثير. وقد تضمنت هذه الخلافات والنزاعات والصراعات قضايا بالغة الأهمية والخطورة كقسمة موارد حيوية، ومطالبات إقليمية، واتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية... إلى غير ذلك من القضايا التي تجعل من استقرار علاقة الوطن العربي بجواره مسألة حيوية للغاية بالنسبة لحاضر العرب ومستقبلهم. ومن ناحية أخرى فإن التحولات التي طرأت على سياسات قوى إقليمية كبرى كتركيا، والتي كان لها مردودها الإيجابي على العرب وقضاياهم، تجعل تنظيم علاقة العرب بجوارهم آلية ضرورية لحشد الدعم والمساندة من قبل دول الجوار.
ومن ناحية ثانية فإن ثمة محاذير ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار لدى مناقشة هذه المبادرة دون شك. وأول هذه المحاذير أن العرب يدخلون هذه الرابطة الجديدة -إن تحققت- وهم شتى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولذلك يخشى من أن يتحول الإطار الجديد إلى ساحة تنشأ فيها محاور عربية- إقليمية مضادة لمحاور عربية- إقليمية أخرى داخل الساحة نفسها، وبذلك تكون رابطة الجوار قد أفضت من حيث تطبيقها إلى مزيد من التشرذم العربي. ويتمثل حل هذه المعضلة في ضرورة البدء في أسرع وقت ممكن بحوار عربي- عربي حول هذه الفكرة حتى يتجه العرب إليها بفكر موحد وإرادة متناسقة إن لم تكن موحدة، وهي مهمة ليست باليسيرة بالنظر إلى الخلافات العربية الراهنة، لكن عدم البدء بها منذ الآن لن يزيدها إلا تعقيداً.
غير أن القنبلة الموقوتة بحق في فكرة رابطة الجوار هي الموقف العربي من إيران، ومن المعروف أن العرب قد أخفقوا حتى الآن في أن يصلوا إلى quot;كلمة سواءquot; بينهم فيما يتعلق بإيران، فهم موزعون بين من يعتقد أن إيران تمثل عمقاً استراتيجيّاً لاشك فيه للعرب، وخير شاهد على ذلك هو موقفها من الصراع العربي- الإسرائيلي، ناهيك عن الأبعاد الأخرى التي يمكن أن يقوم فيها تحالف أو ائتلاف عربي- إيراني، ومن ثم فإن العرب يجب أن يتعاملوا مع كافة القضايا الخلافية بينهم وبين إيران بمنطق الحوار لا المواجهة، وبين من يؤكد على أن إيران بالنسبة للنظام العربي عامة ونظامه الخليجي خاصة تعد في التحليل الأخير قوة quot;توسعيةquot; سواء فهم ذلك بالمعنى الإقليمي كما في احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث أو تلميحاتها من حين لآخر ضد البحرين، أو بالمعنى السياسي كما في تدخلها في الشأن العراقي ومن قبله اللبناني ومن بعده اليمني.
ولذلك فقد أحسن الأمين العام عندما تحسب وهو يطرح مبادرته لهذا الخلاف العميق فدعا إلى حوار عربي- إيراني quot;يتحدد على أساس نتائجه توجيه دعوة إلى إيران للانضمام إلى هذا التجمعquot;. أي أنه علق دعوة إيران للانضمام على حدوث توافق عربي بشكل أو بآخر حول هذه الدعوة ومضمونها، وهو ما يمثل في تقديري السبيل الوحيد لتفادي quot;المعضلةquot; أو quot;القنبلة الموقوتةquot; الإيرانية وتداعياتها السلبية على الرابطة المقترحة إن ضمت إيران دون توافق عربي حقيقي.
ولكل ما سبق فإن حواراً عربياً- عربياً مطلوب على وجه السرعة سواء بشأن كل ما يتعلق بهذه الرابطة، أو ما يخص معضلة العضوية الإيرانية فيها تحديداً. ومن ناحيتي أود أن أساهم في هذا الحوار بفكرة ألححت عليها غير مرة عندما طرحت مسألة انضمام دول جوار إلى الجامعة بصفة عضوية مراقبة، وأثارت ما أثارته من تحفظات متوقعة من جانب دول عربية عدة. وتتمثل هذه الفكرة في أن يكون أحد شروط الانضمام إلى هذه الرابطة سواء من قبل الدول العربية أو دول جوارها هو إعلان قبول الاختصاص الإلزامي لمحكمة العدل الدولية في أي نزاع قائم أو يمكن أن ينشأ بين الدول الأعضاء في هذه الرابطة أيّاً كانت صفتها، فمن أراد أن يبني علاقته معنا على هذا المبدأ الواضح كان له ذلك ومن أصر على التمسك بمصالح قومية ضيقة في الوقت الذي يريد أن يحقق فيه هذه المصالح بامتداد الوطن العربي كله فسوف يكون من الصعب قبوله عضواً في الأسرة الجديدة. ويبقى الحوار موصولاً حتى موعد انعقاد القمة الاستثنائية.
التعليقات