جدة: ياسر باعامر
شكلت قضية المرأة السعودية، إحدى الوجبات الدسمة في وسائل الإعلام الغربية بعد أحداث سبتمبر2001، فما أن تنجح إحدى وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة في الحصول على قصة عن امرأة سعودية، حتى تحولها إلى موضوع رئيس يتصدر برامجها التلفزيونية وعناوين صفحاتها الإخبارية، هذا في الجانب الإعلامي، أما في الجانب الحقوقي الدولي، فيمكن الاستدلال بتقرير المنظمة الحقوقية الدولية quot;هيومن رايتس ووتشquot; الذي حمل عنوان quot;قاصرات للأبدquot;، والذي يصور فيه المرأة السعودية أنها لا تملك مقومات الشخصية المستقلة، حيث إنها لا تستطيع التصرف في أي شيء من أمور حياتها وخصوصياتها دون quot;محرمquot; بحسب التقرير.
التوجهات العامة
في داخل هذا البعد الفكري والإعلامي المتبادل، قامت دار quot;غيناء للدراسات والأبحاثquot; بإصدار كتاب حمل عنوان quot;المرأة السعودية ..رؤية عالميةquot;، يوضع في خانة quot;الدفاعquot;، ومحاولة تحسين الصورة الذهنية السلبية الغربية تجاه المرأة السعودية.
وبحسب الناشرين فإن الدوائر ووسائل الإعلام الغربية، تستند على مغالطات، وتشويه للحقائق، واجتهادات وتفسيرات وآراء لا تستند على أسس وبراهين وحقائق، كما هي وجهة الناشر. ورصد الكتاب سلسلة شهادات لمثقفات، وأكاديميات، وصحفيات غربيات، للإجابة على الكثير من التساؤلات وتوضيح الحقائق، وعكس الواقع بصورة مجردة ورؤية هادئة، هدفها بيان الواقع كما هو، لا كما يبدو من خلال بعض الكتابات والآراء الغربية.
الإطار الفلسفي للكتاب
وما يمكن أخذه على الكتاب كتحليل نقدي، البعد التسيسي للمنهج العام للإصدار، بعبارة أخرى أن المثقفات السعوديات والغربيات والآسيويات اللاتي شاركن في الشهادات، كانت جلها تحمل طابع البصمة الواحدة تقريباً، أو الرؤية الأحادية في الدفاع عن المرأة السعودية، حيث كان من الأفضل توسيع قاعدة المشاركات الأخريات اللاتي يحملن آراء تحرك المياه الراكدة في النقاش، وتوضيح المسألة للدوائر الغربية بشيء من الوضوح والتفصيل غير المسيس.
ونستطيع أن نلحظ أن الصورة العامة أو الذهنية التي يحاول الكتاب توصيلها للآخر من خلال مقدمته هي الربط بين المعطى الثقافي والمنجز التنموي في بناء الحضارات، فيؤكد الكتاب في استهلاله quot; أن حضارات الأمم تنمو وتزدهر إذا حصل التناغم بين المعطى الثقافي والمنجز التنموي، ومن شروط النهضة ألا يحدث الانفصام بين هذين البعدين الرئيسينquot;.
ثم يمضى الكتاب ليبرر ndash; حسب رأيه ndash; المعطى النهائي للكتاب وما يريد أن يصل إليه بالقول quot;مشاركة المرأة في المسيرة الحضارية تنطلق من أيديولوجية كل مجتمع ومن خصوصيته الثقافيةquot;،ليؤكد بعد ذلك أن المرأة السعودية تعيش وفق منظومة ثقافية تستلهم الإسلام وتستمد منه الشريعة والقيم والتعاليم، لهذا السبب لم تكن بمنأى عن شبهات الغرب أو المستغربين ndash; على حد وصفهم- الذين يحاولون فرض أنموذج ثقافي معين على حياتها.فالكتاب إذاً يطرح العديد من القضايا ذات العلاقة بالمرأة السعودية أعدتها نخبة من النساء السعوديات شاركتهن مجموعة من الأصوات المنصفة ndash; كما يصفها الكتاب- من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، واليابان، لدحض الشبهات التي تثيرها المؤسسات الغربية عن واقع المرأة في السعودية. ثم يحاول الكتاب أيضاً من خلال الاستهلال أن يصل لغايته أن تعرض قضايا المرأة السعودية بعيون السعوديات أنفسهن، لا بأقلام الرجال السعوديين.
وأتصور أن هذا ما أنجح الكتاب من الناحية الإعلامية بعيداً عن النتائج التي حفل بها الكتاب.
مناقشة الجوانب الموضوعية
أشار الكتاب إلى مسألة تعليم المرأة السعودية مستعرضاً بشيء من الاستفاضة التاريخية التعليم ما قبل الرسمي للفتاة الذي اعتمد على الكتاتيب، حيث تقوم سيدة في منزلها بتدريس وتعليم الفتيات القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة وبعض الحساب وأحكام الدين, ويؤكد الكتاب على الدور الحكومي في تطوير تعليم المرأة وتاريخ تطوره، وترتكز مسألة تعليم المرأة على الوثيقة التأسيسية التي تعد مرتكز العملية التعليمية للمرأة السعودية الصادرة في عام 1970م وأهم ما جاء فيها هو جانب عدم الاختلاط في المدارس بين الذكور والإناث وأن ذلك يعود لمرتكزات دينية واجتماعية وفسيولوجية نفسية بين الرجل والمرأة.
ويرسم الكتاب لصورة عامة مهمة ndash; ضمن أهدافه- أن عدم الاختلاط لم يمنع من تقدم المرأة السعودية في سلك التعليم الأكاديمي والبحثي حيث خصصت الدولة السعودية المرافق المتكاملة لذلك وأن تجربة التعليم غير المختلط تجربة منفردة وجديرة بالاقتباس، كما يحاول بشيء من الاستدلال الواقعي توضيح الأثر العكسي للتعليم المختلط الممارس في الدول الغربية وما جره عليها من ويلات في البنى الاجتماعية فيها، ومطالبة بعض الدوائر الغربية العلمية وبعض رجال الدين المسيحي بضرورة فصل الجنسين في التعليم.
ويصل الكتاب في مناقشة منظومة التعليم إلى أن تجربة التعليم غير المختلط ساهمت في فتح باب العلم والمعرفة للفتاة السعودية من أوسع أبوابها وقادتها إلى التفوق في التحصيل والتميز في العمل.
وهذا ما أكدته سيس مود حول فصلها سراب الأخلاقية العصرية في التعليم المختلط ومشيدة في الوقت نفسه بالدور الرائد لعدم الاختلاط في تعليم المرأة السعودية.
وفي المجال الاقتصادي كان فصل المرأة السعودية في سوق العمل حاضراً وبقوة، وحاول الربط بين الإنفاق الحكومي الهائل على تعليم المرأة ومشاركتها في الجانب الاقتصادي كقوة وظيفية هائلة في التنمية الاقتصادية في القطاعين الحكومي والعام، مستدلا بعدد من الدراسات والإحصاءات الرسمية كبراهين واقعية، كما أنه أرجع نجاح المرأة السعودية في سوق العمل إلى الشريعة الإسلامية التي ساوت بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية والتجارية.
وحاولت تانيا هوسو في فصلها توضيح رؤيتها الشخصية حول مصادر المعرفة الغربية عن المرأة السعودية عبر انتقالها للعيش والسكنى، وأرجعت ذلك لبعض الأخطاء التي يفتعلها الغرب قصدا أو عمداً في رسم الصورة العامة عن السعوديات كونهن مضطهدات في مجتمع ذكوري متخلف وهمجي .
وأما الصحفية الأمريكية باربرا فيرجيسون فتعدد بشيء من التفصيل الأكثر حول أسباب الصورة المشوهة التي يحملها الغرب عن المرأة السعودية وأبرزتها في النقاط التالية :
1- جهل المراسلين الصحفيين الغربيين عن فهم واقع منطقة الشرق الأوسط ككل وعدم سعيهم الحثيث لمعرفة الواقع الحقيقي لثقافة تلك المجتمعات.
2- التشويه المتعمد للحقائق، حيث لاحظت فيرجيسون أن بعض الإعلاميين الغربيين يتعمدون تشويه الحقائق ، مستشهدة باستغلال بعضهم لمنع السعوديات من قيادة السيارة وارتداء العباءة بوصفها حججاً تنسحب على كل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، ويقول أحد الصحفيين الأمريكيين :quot;يعتقد الأمريكيون أنه مادامت المرأة السعودية لا تقود السيارة، وترتدي العباءة فهذا يعني حتماً أنها محتقرة ومضطهدة ومتخلفة وأنه يجب علينا تطويرهاquot;.
3- نظرة التعالي على الآخر.
4- تحيز وسائل الإعلام الغربية.
5- فوبيا الخوف من الإسلام.
6- سينما هوليود والتأثير الكبير في خلق الوعي الغربي الجماهيري غير الصحيح.
واستند الكتاب على دراسة ميدانية استقصائية لـ (45) سيدة يمثلن سيدات المجتمع وممن لهن حضور فاعل يعكس جانباً من نشاطات المرأة السعودية ومشاركتها المتميزة في مختلف الجوانب وممن لهن إسهام في المشهد الفكري، وكان من بينهن نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون البنات الدكتورة نورة الفايز.
حقوق المرأة السعودية بين التشدد والانفلات وقلة الوعي
جدة: سامية العيسى
اعترفت بعض الناشطات في المجال الحقوقي وأساتذة جامعات وسيدات مجتمع أنهن يردن المزيد من الحقوق التي تتزايد مع التطلعات والأهداف المشروعة التي يساندها بقوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أكبر داعم للمرأة السعودية. حيث تقترح مديرة الإشراف الاجتماعي النسائي بوزارة الشئون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة نورة آل الشيخ، أن quot;يوضع نظام للأحوال المدنية يوقع جزاءات على الآباء المتهاونين في استصدار هويات للأبناء، على أن يكون للمرأة الحق في إصدار quot;برنتquot; بهوية أبنائها، وإضافتهم لدفتر العائلة بما يحفظ حقوقهم وحق والدتهمquot;.
آباء متسلطون
وترى المشرفة على الفرع النسائي بهيئة حقوق الإنسان بجدة، الأستاذ المساعد بقسم علم الاجتماع بجامعة الملك عبد الله الدكتورة فتحية القرشي، أنه أثبت الواقع استعدادا كبيرا جدا للإناث للتعليم والحصول على أعلى الشهادات العلمية، وقد رصدت هيئة حقوق الإنسان آباء يمنعون بناتهم من التعليم ويضعون العراقيل أمام إكمال الفتاة، مطالبة بـquot;توعية أولياء الأمور الذين يسيئون استخدام السلطة والولاية على بناتهمquot;.
وعي غائب
من جهته، يعترض على ارتفاع وتيرة المطالبة بالحقوق دون العلم بها، المستشار القانوني بجدة الدكتور طارق آل إبراهيم، والذي يقول quot;قبل أن نطالب بحقوق المرأة يجب أن نعرف ما لها وما عليها من الحقوق والالتزامات، والحقيقة أن للمرأة حقوقا كثيرة لا تعلمها، لأنها لم تطالب بها، ومنها الحق في أن تقيم دعوى الطلاق والخلع والنفقة والحضانة والزيارة أمام أي محكمة. ولا يشترط أن تقيمها في مكان أو موطن الزوج ، ولها فسخ النكاح إذا ثبت الضرر أو كرهت العيش معه، فلها فسخ النكاح دون إعادة المهرquot;.
مضيفا أنه من ناحية العمل quot;فالمرأة لها ذات الحقوق التي يأخذها الرجل، ولا يجوز لرب العمل فصلها أثناء فترة الولادة. ويجوز لها تملك وإدارة المؤسسات التجارية إذا كانت المؤسسة نسائيةquot;.
المرأة تجهل حقوقها
وترى سوزان صالح ربة منزل أن quot;المرأة لا تعرف أي حق يخصها، نظرا لوجود قوانين وضعية تميز الرجل في شتى القطاعات، بدءا من التعليم وانتهاء بالتوظيف.
وترى أن الرجل سيطر بسطوته على معظم الوظائف العليا، وما تزال هناك نظرة قاصرة للمرأة لدى الغالبية من أبناء المجتمعquot;.
وتذكر سهام القحطاني، وهي تربوية سعودية، أن quot;المرأة السعودية تجهل كل استحقاقاتها خصوصا السياسيةquot;، وتؤكد أن quot;المنظومة الحقوقية وحدة واحدة ولا تعني تقسيم حق المرأة إلى درجات، وفي ظل الدعم الكبير من لدن خادم الحرمين الشريفين فإننا نطالب باستنهاض همم المرأة بالمشاركة بحقها السياسي. فمن حقها أن تكون وزيرة، وعضوة رسميه في مجلس الشورى، ومن حقها أن تكون قاضية ومحافظة، وخاصة أن تلك الحقوق لاتتعارض مع الشريعة الإسلامية التي كفلت المساواة بين الرجل والمرأة في هذا الشأنquot;.
انقسام مغال
وتشير الناشطة الحقوقية والأستاذ المشارك بجامعة الأميرة نورة بالرياض الدكتورة نورة العجلان، إلي انقسام مغال حيال حقوق المرأة، بين quot;مجحف لحقها، ومطالب، وثالث يسيء للمرأة، مما يجعل الشبهات تلف حول حقوق المرأة المسلمةquot;.مضيفة أن quot;مجتمعنا مثل أي مجتمع لا يخلو من المشاكل التي نريد لها حلا عاجلا، فالمملكة تقوم على دعائم قوية تستمد أنظمتها من الشريعة الإسلامية ، وأدى ضعف الرقابة لبعض الأفراد في تنفيذ التطبيق الشرعي لظهور حقوق مهدرة للمرأة مع سوء الاستخدام لبعض الحقوق، ونطمح لإعادة النظر في قضايا كثيرة، منها ما يتعلق بحق المرأة والطفل والأسرة، ووضع قانون يحد من التمييز الحاصل للرجل ببعض القضايا المالية وقضايا القروض العقارية والتقاعد، وإعادة النظر في تنظيمات تكفل للمرأة حقها في المسكن الآمن في حالة الانفصال دون المساس بحقوق الرجلquot;.
quot;المثقفات الغربياتquot; وتاريخ حافل من المعرفة السعودية
اشتغل عدد من المثقفات الغربيات بمتابعة شئون المرأة العربية والمسلمة، وخصوصا المرأة السعودية، ومن أبرز الأسماء التي تابعت الموضوع، كل من:
bull; آن مورس: تشرف على مؤسسة quot;موريسquot; الدولية المتخصصة في طباعة المجلات وتقديم الاستشارات الإعلامية، المتخصصة في شؤون العالم العربي والإسلامي. وعملت مراسلة صحفية للعديد من الصحف البريطانية، وكاتبة عمود في صحف الأبزيرفر وديلي تلغراف.
bull; باربرا فيرجيسون : مديرة مكتب صحيفة quot;عرب نيوزquot; في واشنطن.غطت أحداث الشرق الأوسط طيلة 25 عاماً. استعانت بها الجهات الرسمية الأمريكية لتثقيف المدنيين والعسكريين الأمريكيين الموجودين في العراق.
bull; تانيا هوسو : محللة سياسية مهتمة بالعلاقات الأمريكية السعودية، مديرة سابقة للتطوير وكبير محللي البحوث في quot;معهد بحوث سياسات الشرق الأوسطquot;.
bull; الدكتورة سيس مود : حاصلة على دكتوراة في تاريخ النصرانية، ومهتمة بالدراسات التاريخية والفلسفية.
bull; كارولين مونتاج : حاصلة على ماجستير في السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط من جامعة لندن. ومهتمة بقضايا المرأة السعودية والقضايا الاجتماعية والتنموية، نشرت لها تقارير عن التنمية والاستثمار والإصلاح في السعودية.
bull; نامي تسويجامي : تعد أطروحة لنيل الدكتوراه من كلية الدراسات والتعاون الدولي في جامعة quot;كوبيquot; باليابان. لديها ماجستير في الاقتصاد حول الدور المتغير للزكاة في السعودية، مهتمة بوضع المرأة في العالم العربي والإسلامي، تعمل منذ يناير 2007م باحثاً زائراً في مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالرياض.
التعليقات