توجّه في دمشق للتخلي عن الورقة للإمساك بقيادة الفلسطينيين
بمجرد انفجار المعارك في مناطق التواجد الفلسطيني في المناطق اللبنانية المحاذية للحدود السورية والبقاع الأوسط ساد انطباع بان دمشق بدأت بالتخلي عن هذه الورقة لتقديمها إلى حكومة الوحدة الوطنية وقبل زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الثانية للعاصمة السورية دمشق.
بنى أصحاب هذا الرأي تحليلهم على القناعة القائلة إنه لو أرادت دمشق لمنعت مثل هذا الاقتتال الذي استمر يومين متتاليين، خصوصا أن سلاح وذخيرة وغذاء الطرفين المتقاتلين تمر عبر الخطوط السورية. هذا عدا عن أن تنظيم الجبهة الشعبية - القيادة العامة محسوب بالكامل على الأجهزة السورية منذ نشأته ولعدة عقود خلت. كما أنه لم يعد سرا أن السلاح الفلسطيني في لبنان، ولا سيما خارج المخيمات، جزء من منظومة النفوذ السوري التاريخي في هذا البلد. ومن هنا كان أحد المواضيع الأساسية التي أثارها كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري خلال لقاءاتهما مع الرئيس السوري بشار الأسد (كل على حدة) في دمشق.
بداية تحوّل
وبالرغم من أن التوضيحات المتتالية التي صدرت بعد الاشتباكات تقاطعت على نقطة واحدة، وهي أن الخلاف شخصي ومحدود وقع على خلفية تغييرات قيادية في الموقع وقام به ضابط برتبة عقيد ومعه عدد محدود من العناصر لا يتجاوزون العشرة جرى اعتقال معظمهم، فإنه مع ذلك لم تتوقف التقديرات ان هناك بداية تحول سوري تجاه موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهو يتركز في هذه المناطق وفي منطقة الناعمة (جنوب بيروت)، بعد أن كان السلاح (الفلسطيني) يستخدم كمواقع سياسية متقدمة للدفاع عن سلاح حزب الله، وهو أمر لم يعد له من ضرورة الآن ما دامت دمشق لها نفوذ حاسم لدى نصف الحكومة ونصف الأجهزة اللبنانية مجتمعة.
الرئيس سليمان، وفي الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، أطلق إشارة جديدة بهذا الخصوص، عندما قال laquo;إن ما جرى في قوسايا يجعلنا نطرح موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخلها (...) وهنا علينا الالتزام بقرار طاولة الحوار الوطني، وعلى الوزراء المعنيين دراسة عملية تنفيذ هذا القرار..raquo;.
وفي حديث الى صحيفة laquo;الحياةraquo; عزت مصادر وزارية laquo;موقفraquo; سليمان الى أن المنطق السائد في العلاقات اللبنانية السورية يقول إن رئيس الجمهورية لم يطلق إشارته laquo;لو لم يكن على بيّنة من موقف القيادة السوريةraquo;. وقالت إن سليمان لا يريد أن يدخل في سجال مع دمشق في الوقت الراهن.
ولفتت المصادر ذاتها الى أن سليمان طرح ملف السلاح الفلسطيني laquo;إحساسا منه بأن هناك من الوزراء من يود إثارته مما يفتح الباب أمام الدخول في سجال غير مجدٍ. وبالتالي رأى أن مبادرته ستؤدي حكما الى قطع الطريق على افتعال جو من التوتر في غنى عنه الحكومة اللبنانية في الوقت الحاضر.
يذكر أن الاشتباكات كانت قد أثارت ردود فعل مستنكرة. وطالب نواب منطقة زحلة والبقاع الأوسط الجيش بالتدخل. كما أن عدم تدخل القوى الأمنية في الأحداث الأخيرة، وقبلها في اشتباكات الهرمل العائلية وفي منطقة الضاحية الجنوبية، قد أثار حفيظة عدد من الوزراء اللبنانيين، وفي مقدمهم رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجج بقوله laquo;إما أن يكون هذا الوطن للجميع حيث يكون التعامل بالمساواة أو أنه صار هناك مواطنون درجة أولى ودرجة ثانية، وهذا الأمر غير مقبولraquo;، في إشارة الى حادث quot;عيون أرغشquot; الذي جرى تصحيحه من قبل أنصار دمشق.
للتداول دائما
المعنيون والمتابعون يجمعون اليوم على أن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لم يسحب يوما من التداول، وإن كان متروكا في تطبيقه للحوار الفلسطيني- اللبناني برعاية سوريا. والبيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية كان قد أبرزه كواحد من المواضيع التي يفترض متابعتها.
ومع أن هناك من يؤكد ويجزم بأن السياسة السورية في لبنان لن تسهل أو تمرر أي ملف في الوقت الراهن، وأن الأمور ستظل تراوح مكانها حتى انجلاء غبار الملف النووي الإيراني، يبقى أن خطوة من نوع البدء في التخلي عن ورقة السلاح الفلسطيني في لبنان من شأنها أن تخفف من السلبيات الناتجة عن تعطيل عمل الحكومة والتي يحملها الغرب ضمنا للجانب السوري. وبذلك تسجل دمشق خطوة إيجابية لمصلحتها.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر فلسطينية لصحيفة الحياة (لمناسبة زيارة عزام الأحمد، موفد الرئيس الفلسطيني الى بيروت) عن أن دمشق باتت مقتنعة بأن لا جدوى من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بسبب انعدام وظيفته laquo;لكنها تحاول توظيف جمعه في إطار فتح حوار لا يقتصر على منظمة التحرير وحركة فتح، وإنما يشمل الفصائل الأخرى التي هي على تحالف معهاraquo;.أو بمعنى آخر، فان ما تريده دمشق هو استخدام ورقة {الجمع} للإمساك بالمخيمات من الداخل وعدم تركها لحركة فتح.
وربطت المصادر توقيت عمل دمشق في هذا الاتجاه بعامل تعزيز الثقة بينها وبين الرئيس الحريري laquo;باعتبار أن جمعه (السلاح) يشكل عامل استقرار بعد انتفاء أي وظيفة له، خصوصا أن القيادة السورية تشاطر الآخرين قلقهم من انهيار فتح في لبنان بصرف النظر عن طبيعة علاقتها الراهنة بالرئيس عباسraquo;، وإن كان هناك من يتهمها بالعمل على تفكيك فتح لصالح حماس.
رسالة أم مدخل؟
وفيما يبدو أن هناك ما يمكن تسميته باتفاق ضمني بين السلطات اللبنانية والفصائل الفلسطينية على وجود سلاح داخل المخيمات، تجمع القيادات اللبنانية على ضرورة خضوع السلاح خارج المخيمات للسلطة اللبنانية.
لكن، وبالرغم من الموقف الفلسطيني الرسمي لحق لبنان في التصرف كيفما شاء في موضوع السلاح (الرئيس محمود عباس)، أتت المفاجأة من العقيد أبو موسى، أمين سر laquo;فتح الانتفاضةraquo;، بقوله إن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات laquo;يخضع لاعتبارات المواجهة مع إسرائيلraquo;! ومع أن أبو موسى عاد في اليوم التالي وخفض لهجة موقفه بمطالبته بفتح حوار حول الموضوع، والتصريح بأن laquo;هناك إمكانية لإدراج السلاح الفلسطيني في إطار الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان، بعد نقل القواعد العسكرية التابعة للحركة الى نقاط يحددها الجيش اللبنانيraquo;، إلا أن الموقف يستدعي طرح سؤال جدي عن مدى الالتزام السوري لتحسين العلاقات مع لبنان عبر تصحيح مكامن الخلل السابقة، ومنها استخدام الحكم السوري الورقة الفلسطينية المسلحة (علي حمادة- النهار).
البعض تساءل عما إذا كان موقف أبو موسى laquo;رسالةraquo;، أم انه يمثل مدخلا لطرح المشكلة على قاعدة أن القرار على أرض لبنان لبناني (على حد رأي الكاتب علي حمادة)، في وقت رأى آخرون أن ما جرى الأسبوع الماضي laquo;كان محاولة طعنraquo; في مبدأ الحوار حول السلاح الفلسطيني laquo;بهدف إثارة الضجيج حول هذا السلاح وتحقيق المطلب الإسرائيلي بنزعهraquo;.
سلاح حزب الله
وتساءلت أوساط أخرى عما إذا كانت الاشتباكات هي رسالة laquo;إلى من يهمهم الأمرraquo; على طاولة الحوار بان سحب السلاح الفلسطيني من مواقعه هو مقابل سحب سلاح حزب الله من التداول على طاولة الحوار، وهو ما طلب من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط العائد إلى دمشق بعد طول انتظار، حيث تردد بقوة أن جنبلاط كلف بمتابعة موقف الرئيس سليمان بشكل خاص ومحاولة التأثير عليه. وأول هذه الاختبارات على هذا الصعيد تحييد سلاح حزب الله عن التجاذبات السياسية الحالية في لبنان.
السلاح الفلسطيني يثير مخاوف كثيرة، خصوصا في ظل الاشتباكات التي تندلع بين الحين والآخر بين الفصائل الفلسطينية. كثيرون يجمعون على ضرورة أن يتلازم توقيت الحوار اللبناني- الفلسطيني مع موقف سوري جدي لجهة ترسيم الحدود مع لبنان، وإلا سيبقى laquo;ملف السلاحraquo; قنبلة موقوتة قابلة للانفجار عند كل ظرف. وثمة من يرى بضرورة أن يتلازم laquo;الحوارraquo; بخطوات تتخذها السلطة اللبنانية لجهة تحسين ودعم أحوال اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها- الاقتصادية منها والاجتماعية والمدنية.
التعليقات