سامي ناصر خليفة

قد يكون جزاء الإحسان هو الإحسان إلا في الكويت فإن الجزاء هو السجن وربما الإبعاد عن البلد، هذا باختصار ما حدث للضحية المواطن بلا هوية laquo;ناصرraquo; ابن الكويت الذي ولد ودرس وتربى في حضن وطنه ولم يعرف غيره بديلاً. عمل في الجيش الكويتي حتى يوم الخميس الأسود عام 1990 عندما دخلت القوات الغازية أرض الكويت، حينها تميز الخبيث من الطيب، فما كان منه إلا أن التحق بعمله فجراً وظل مقاوماً حتى تم أسره مع مجموعة من زملائه وأُخذ مغلولاً بالحديد والأصفاد منذ اليوم الأول للغزو تاركاً وراءه زوجة وأطفال بلا معيل كل ذلك لأجل الوطن الذي أبى إلا أن يكون مخلصاً معه ولو كلفه ذلك الغالي والنفيس، حينها لم يكن يفكر بمسألة الجنسية أو الهوية، فقد أسر لأنه كويتي وأخذ للعراق مع بقية الأسرى لأنه ابن هذا البلد. وعدم حمله للجنسية الكويتية لم يثبط عزيمته، فالولاء أولاً والانتماء لأرض الكويت هو الأهم وغيره أمور غير ذات أهمية له.
عاد الضحية laquo;ناصرraquo; إلى أرض وطنه الكويت بعد معاناة سبعة أشهر في الأسر فرحاً بالنصر والتحرير وعودة الوطن لأهله, وتوقع كحال غيره من العسكريين الذين قدّموا حريتهم قرباناً لهذا الوطن أن تحتضنهم الحكومة وتستقبلهم بالورود ورش عطر الياسمين عليهم، ولتثمن تضحياتهم بوضعهم في قائمة الشرف وتكريمهم بما يليق بمقامهم كشهداء أحياء، ولكن تلك الآمال تبخرت شيئاً فشيئاً فعودته لوظيفة في السلك العسكري لم تدم طويلاً حتى تم تسريحه كغيره من العسكريين laquo;البدونraquo;، وحُرم استحقاقاته المالية نتيجة لخدماته الجليلة التي كان في أمس الحاجة لها لكي يعيل أسرته وأطفاله لتضيق به الدنيا من ظلم ذوي القربى حيث كم كان عطاؤه كبيراً وكم واجه من شح الأخذ لتسوء حالته المعيشية كغيره من أبناء تلك الفئة، ولتضيق به الدنيا بأكملها. فلم يكن أمامه سوى حل واحد أن يستخرج جواز سفر من أي دولة كانت ويضع إقامة على الجواز ليتمكن من تقديمه إلى وزارة الدفاع فيتم صرف مستحقاته التي احتجزت بسبب تلك القوانين التي مورست على المواطنين laquo;البدونraquo; بعيد التحرير.
عاش الضحية laquo;ناصرraquo; مقيماً في بلده وبين أخوته ورفض الخروج والهجرة رغم المضايقات الأمنية وغيرها، فكيف يخرج من وطن ارتبط به وقدّم لأجله الحرية وكادت النفس تكون القربان لولا ستر الله وحفظه للأسرى الذين عادوا وكان الأمل بعودتهم ضئيلاً. ففي أغلب دول العالم تتم معاملة الأسرى معاملة خاصة ويتم تكريمهم سنوياً، ولولاهم لما تحرّرت الأوطان ولما عادت البسمة إلى شفاه الأطفال والكبار، إلا في الكويت فالتضحية لا قيمة لها بتاتاً، ومن ضحوا بالنفس مُحِيَت أسماؤهم من الذاكرة فكيف بمن أُسِرَ وعاد؟
قد نتوقع ألا يُعامل الأسير المعاملة التي تليق بما قدمه من تضحية أو نتوقع أن ينسى الناس ما فعله لأجل أن ننعم بالأمان والطمأنينة في وطننا، ولكن لا يمكن لنا أن نتوقع أسيراً يقبع الآن في السجن داخل وطنه الذي ضحى لأجله بسبب اتهامه بتهمة التزوير، فقط لأنه اضطر مجبراً أن يستخرج جواز سفر من احدى الدول ليتمكن من صرف مستحقاته والعيش في وطن ظنه سيكافئه بما قدم له، فإذا بالمكافئة زنزانة في السجن المركزي. وأنا والله لا أعلم إلى متى سوف يستمر مسلسل انتهاك حرية تلك الفئة المظلومة في الكويت والتعامل مع الجميع بسوء الظن لحين إثبات العكس. فمن بقي laquo;بدونraquo; مازال يعاني عرقلة جميع معاملاته في الدوائر الحكومية وتأخر ايجاد الحلول التي تنهي معاناتهم سواء من قبل المجلس أو الحكومة. أما من استخرجوا جوازات سفر فهم في وضع أسوأ من اخوتهم، فالجميع يعلم أن تلك الجوازات ليست سوى جوازات تم بيعها للبدون من دول لا علاقة لتلك الفئة من المجتمع بها لا من قريب أو بعيد، ولكنها الحاجة التي دعتهم إلى اللجوء برمضاء الإقامة فراراً من مصطلح laquo;مقيم بصورة غير قانونيةraquo;.
وأخيراً... لا يسعني إلا الاعتذار من الأسير السجين المواطن الضحية laquo;ناصرraquo; الذي ينتظر الحكم في قضيته، وربما سيواجه خطر الإبعاد عن البلد وأطالبه متوسلاً أن يعذر ديرته الكويت الذي قدّم لها نفسه رخيصة وضحى بكل ما يملك في فترة احتاجت هي إليه، فكانت المكافئة بعد ذلك السجن! وأطالبه ألا يتحامل على ديرته، فلا ذنب لها وهي تسع الجميع، ولكنها القلوب التي ضاقت بتلك الفئة التي تنتمي أنت لها.
ومنا إلى وزير الداخلية وأعضاء مجلس الأمة لوضع حد لتلك المأساة وحفظ كرامة أسير الكويت التي أهدرتها حالة من التعسف غير مبررة وكل أملنا أن ينظر إلى الضحية laquo;ناصرraquo; بمنظار إنساني لا أمني، وأن يراعى تاريخه في النضال والتضحية هو وأسرته الكريمة لا بمنظار آخر.