شملان يوسف العيسى
انتهت الفترة المحددة لإجراء اقتراع الانتخابات في السودان بعد تمديدها يومين إضافيين بسبب مشاكل لوجستية خلال اليومين الأوليين. وهذه الانتخابات ليست مقصورة على اختيار رئيس للجمهورية، بل تشمل أيضاً انتخاب مجلس تشريعي، وولاة الأقاليم، ورئاسة الجنوب الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي. وهذه الانتخابات هي الأولى من نوعها في السودان منذ نحو ربع قرن، وبعد أن شهدت البلاد حرباً أهلية بين الشمال والجنوب وصراعات في الأقاليم خاصة في دارفور.
بعض المراقبين السياسيين يتوقعون اندلاع مواجهات مع بدء الانتخابات وبعد إعلان النتائج، خاصة أن أحزاب المعارضة رفضت نتائج الانتخابات حتى قبل أن تبدأ، حيث أعلن زعيم حزب quot;الأمةquot; عن مقاطعة الانتخابات معتبراً إياها غير حرة ولا نزيهة وتجرى في مناخ استفزازي ولا تمثل احتكاماً صحيحاً للشعب، وذلك في معرض تبرير مقاطعة حزبه لهذه الانتخابات، والتي قاطعتها كذلك الحركة الشعبية ممثلة بمرشحها للرئاسة ياسر عرمان. كما قاطعتها عدة أحزاب أخرى منها الحزب الشيوعي السوداني.
ماذا سيحدث بعد إعلان النتائج؟ وكالات الأنباء العالمية توقعت أن يحقق quot;حزب المؤتمر الوطنيquot; الذي يقوده الرئيس البشير انتصاراً كبيراً. وقد صرح مسؤول في الحزب الوطني بإمكانية إشراك أحزاب المعارضة، بما فيها تلك التي قاطعت الانتخابات، في حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات المستقبلية.
ولعل من أهم التحديات التي يمكن أن تواجه السودان بعد الانتخابات هي قضية الاستفتاء على مصير الجنوب، وتنفيذ ما تبقى من بنود اتفاقية quot;نيفاشاquot; للسلام الشامل، وحل النزاعات القبلية والعرقية والمناطقية. السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، سوزان رايس، ذكرت في الأسبوع الماضي أن تقريراً رفعه إلى مجلس الأمن رئيس عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة يؤكد فيه على قلقه بسبب القيود التي تفرضها الحكومة السودانية على الحريات السياسية وحرية التعبير والتجمع، كما توجد قيود على وسائل الإعلام، حسبما نقلته المسؤولة الأميركية عن التقرير.
وقد أعرب الرئيس البشير في أكثر من مناسبة خلال الفترة الأخيرة عن التوجه نحو تبني نهج تصالحي في تعامله مع الجنوب، وصرح قبل الانتخابات بأنه يريد للسودان أن يظل موحداً، وفي حالة ما إذا قرر الجنوبيون الانفصال فإنه سيكون أول من يعترف باستقلاله.
ومما لاشك فيه أن الاستفتاء القادم على حق تقرير المصير لجنوب السودان، وما قد ينتج عن اختيار الجنوبيين للانفصال، سيثير العديد من القضايا والتداعيات، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحدود، وتصدير النفط وتكريره، وقضايا الديون والأصول المشتركة، وحصص المياه، وأوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب.
كل هذه التحديات والإشكالات المحلية تتطلب وجود قيادة سياسية توحد القوى السياسية وتبتعد عن المصالح الذاتية. والإشكالية هنا تتمثل في أن القوى السياسية المعارضة نفسها فشلت حتى الآن في الاتفاق على مرشح رئاسي مشترك وحتى في التنسيق فيما بينها... فكيف يمكن لها أن تتوحد وأن تتفاوض مع الرئيس على أجندة موحدة تنقذ السودان من المأزق الكبير الذي وقعت به.
مطلوب من الدول العربية، ودول الخليج بصفة خاصة، التوسط والسعي لتوحيد السودانيين وتقريب وجهات نظرهم، بهدف إنشاء حكومة وحدة وطنية تنأى بالسودان عن شبح الانفصال وتجدد الحرب الأهلية.
التعليقات